للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عن عروة عن عائشة كما تقدم، وزاد، فلما توفيت دفنها عليّ ليلا ولم يؤذن أبا بكر وصلى عليها، وكان لعلى من الناس وجه حياة فاطمة، فلما توفيت استنكر عليّ وجوه الناس، فالتمس مصالحة أبى بكر ومبايعته ولم يكن بايع تلك الأشهر، فأرسل الى أبى بكر ايتنا ولا يأتنا معك أحد، وكره أن يأتيه عمر لما علم من شدة عمر. فقال عمر: والله لا تدخل عليهم وحدك. قال أبو بكر: وما عسى أن يصنعوا بى؟ والله لآتينهم. فانطلق أبو بكر وقال إنا قد عرفنا فضلك وما أعطاك الله، ولم ننفس عليك خيرا ساقه الله إليك، ولكنكم استبددتم بالأمر وكنا نرى لقرابتنا من رسول الله أن لنا في هذا الأمر نصيبا، فلم يزل على يذكر حتى بكى أبو بكر . وقال:

والّذي نفسي بيده لقرابة رسول الله أحب الىّ أن أصل من قرابتي، وأما الّذي شجر بينكم في هذه الأموال فانى لم آل فيها عن الخير، ولم أترك أمرا صنعه رسول الله إلا صنعته. فلما صلى أبو بكر الظهر رقى على المنبر فتشهد وذكر شأن عليّ وتخلفه عن البيعة وعذره بالذي اعتذر به، وتشهد على فعظم حق أبى بكر وذكر فضيلته وسابقته، وحدث أنه لم يحمله على الّذي صنع نفاسة على أبى بكر، ثم قام الى أبى بكر فبايعه. فأقبل الناس على عليّ فقالوا أحسنت. وكان الناس الى على قريبا حين راجع الأمر بالمعروف (١). وقد رواه البخاري أيضا ومسلم وأبو داود والنسائي من طرق متعددة عن الزهري عن عروة عن عائشة بنحوه. فهذه البيعة التي وقعت من على ، لأبى بكر ، بعد وفاة فاطمة ، بيعة مؤكدة للصلح الّذي وقع بينهما، وهي ثانية للبيعة التي ذكرناها أولا يوم السقيفة كما رواه ابن خزيمة وصححه مسلم بن الحجاج، ولم يكن على مجانبا لأبى بكر هذه الستة الأشهر، بل كان يصلى وراءه ويحضر عنده للمشورة، وركب معه الى ذي القصة كما سيأتي. وفي صحيح البخاري أن أبا بكر صلى العصر بعد وفاة رسول الله بليال، ثم خرج من المسجد فوجد الحسن بن على يلعب مع الغلمان، فاحتمله على كاهله وجعل يقول: يا بأبي شبه النبي، ليس شبيها بعلي. وعلى يضحك. ولكن لما وقعت هذه البيعة الثانية اعتقد بعض الرواة أن عليا لم يبايع قبلها فنفى ذلك، والمثبت مقدم على النافي كما تقدم وكما تقرر والله أعلم. وأما تغضب فاطمة وأرضاها على أبى بكر وأرضاه فما أدرى ما وجهه، فان كان لمنعه إياها ما سألته من الميراث فقد اعتذر اليها بعذر يجب قبوله وهو ما

رواه عن أبيها رسول الله أنه قال «لا نورث ما تركنا صدقة» وهي ممن تنقاد لنص الشارع الّذي خفي عليها قبل سؤالها الميراث كما خفي على أزواج النبي


(١) هكذا عبارة الأصل وكذا في التيمورية.

<<  <  ج: ص:  >  >>