للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشَّاةِ الْمَسْمُومَةِ، وَأَخْبَرَ ذِرَاعُهَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا أُودِعَ فِيهِ مِنَ السُّمِّ، وَكَانَ قَدْ نَهَشَ مِنْهُ نَهْشَةً، وَكَانَ السُّمُّ فِيهِ أَكْثَرَ، لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَفْهَمُونَ أَنَّهُ صلّى الله عليه وسلّم يُحِبُّ الذِّرَاعَ، فَلَمْ يَضُرَّهُ السُّمُّ الَّذِي حَصَلَ فِي بَاطِنِهِ بِإِذْنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، حَتَّى انقضى أجله صلّى الله عليه وسلّم، فَذَكَرَ أَنَّهُ وَجَدَ حِينَئِذٍ مِنْ أَلَمِ ذَلِكَ السم الّذي كان في تلك الأكلة، صلّى الله عليه وسلّم وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي تَرْجَمَةِ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ الْمَخْزُومِيِّ، فَاتِحِ بِلَادِ الشَّامِ، أَنَّهُ أُتِيَ بِسُمٍّ فحثاه بِحَضْرَةِ الْأَعْدَاءِ لِيُرْهِبَهُمْ بِذَلِكَ، فَلَمْ يَرَ بَأْسًا، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ثُمَّ قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: فأن قيل: فأن إبراهيم خصم نمروذ بِبُرْهَانِ نُبُوَّتِهِ فَبَهَتَهُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ ٢: ٢٥٨ قِيلَ: مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَاهُ الكذاب بِالْبَعْثِ، أُبَيُّ بْنُ خَلَفٍ، بِعَظْمٍ بَالٍ فَفَرَكَهُ وقال من يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ ٣٦: ٧٨ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى الْبُرْهَانَ السَّاطِعَ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ ٣٦: ٧٩ فَانْصَرَفَ مَبْهُوتًا بِبُرْهَانِ نُبُوَّتِهِ قُلْتُ: وَهَذَا أَقْطَعُ للحجة، وهو استدلاله للمعاد بِالْبَدَاءَةِ، فَالَّذِي خَلَقَ الْخَلْقَ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُونُوا شَيْئًا مَذْكُورًا، قَادِرٌ عَلَى إِعَادَتِهِمْ كَمَا قَالَ: أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ ٣٦: ٨١ أَيْ يُعِيدُهُمْ كَمَا بَدَأَهُمْ كَمَا قَالَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى:

بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى ٤٦: ٣٣ وقال: وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ ٣٠: ٢٧ هَذَا وَأَمْرُ الْمَعَادِ نَظَرِيٌّ لَا فِطْرِيٌّ ضَرُورِيٌّ فِي قَوْلِ الْأَكْثَرِينَ، فَأَمَّا الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ فَإِنَّهُ مُعَانِدٌ مُكَابِرٌ، فَإِنَّ وُجُودَ الصَّانِعِ مَذْكُورٌ فِي الْفِطَرِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مَفْطُورٌ عَلَى ذَلِكَ، إِلَّا مَنْ تَغَيَّرَتْ فِطْرَتُهُ، فَيَصِيرُ نَظَرِيًّا عِنْدَهُ، وَبَعْضُ الْمُتَكَلِّمِينَ يَجْعَلُ وُجُودَ الصَّانِعِ مِنْ بَابِ النَّظَرِ لَا الضَّرُورِيَّاتِ، وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ فَدَعْوَاهُ أَنَّهُ هُوَ الَّذِي يُحْيِي الْمَوْتَى، لَا يَقْبَلُهُ عَقْلٌ وَلَا سَمْعٌ، وَكُلُّ وَاحِدٍ يُكَذِّبُهُ بِعَقْلِهِ فِي ذَلِكَ، وَلِهَذَا أَلْزَمَهُ إِبْرَاهِيمُ بِالْإِتْيَانِ بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَغْرِبِ إِنْ كَانَ كَمَا ادَّعَى فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَالله لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ٢: ٢٥٨ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُذْكُرَ مَعَ هَذَا أَنَّ الله تعالى سلط محمدا عَلَى هَذَا الْمُعَانِدِ لَمَّا بَارَزَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أُحُدٍ، فَقَتَلَهُ بِيَدِهِ الكريمة، طعنه بحربة فأصاب ترقوته فتردى عن فرسه مرارا، فقالوا له: ويحك مالك؟ فَقَالَ: وَاللَّهِ إِنَّ بِي لَمَا لَوْ كَانَ بِأَهْلِ ذِي الْمَجَازِ لَمَاتُوا أَجْمَعِينَ: أَلَمْ يَقُلْ: بَلْ أَنَا أَقْتُلُهُ؟ وَاللَّهِ لَوْ بَصَقَ عَلَيَّ لقتلني- وكان هَذَا لَعَنَهُ اللَّهُ قَدْ أَعَدَّ فَرَسًا وَحَرْبَةً ليقتل بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: بَلْ أَنَا أَقْتُلُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ- فَكَانَ كَذَلِكَ يَوْمَ أُحُدٍ، ثُمَّ قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: فَإِنْ قِيلَ:

فَإِنَّ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَسَرَ أَصْنَامَ قَوْمِهِ غَضَبًا للَّه، قِيلَ: فَإِنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَسَرَ ثَلَاثَمِائَةٍ وستين صنما، قد ألزمها الشَّيْطَانُ بِالرَّصَاصِ وَالنُّحَاسِ، فَكَانَ كُلَّمَا دَنَا مِنْهَا بِمِخْصَرَتِهِ تَهْوِي مِنْ غَيْرِ أَنْ يَمَسَّهَا، وَيَقُولُ:

جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً ١٧: ٨١ فَتَسَاقَطُ لِوُجُوهِهَا، ثُمَّ أَمَرَ بِهِنَّ فَأُخْرِجْنَ إلى الميل، وَهَذَا أَظْهَرُ وَأَجْلَى مِنَ الَّذِي قَبْلَهُ، وَقَدْ ذَكَرْنَا هَذَا فِي أَوَّلِ دُخُولِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ عَامَ الْفَتْحِ بِأَسَانِيدِهِ وَطُرُقِهِ مِنَ الصِّحَاحِ وَغَيْرِهَا، بِمَا فِيهِ كِفَايَةٌ وَقَدْ ذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ عُلَمَاءِ السِّيَرِ أن الأصنام

<<  <  ج: ص:  >  >>