الشاة المسمومة، وأخبر ذراعها رسول الله ﷺ بما أودع فيه من السم، وكان قد نهش منه نهشة، وكان السم فيه أكثر، لأنهم كانوا يفهمون أنه ﷺ يحب الذراع، فلم يضره السم الّذي حصل في باطنه باذن الله ﷿، حتى انقضى أجله ﷺ، فذكر أنه وجد حينئذ من ألم ذلك السم الّذي كان في تلك الأكلة، ﷺ * وقد ذكرنا في ترجمة خالد بن الوليد المخزومي، فاتح بلاد الشام، أنه أتى بسم فحثاه بحضرة الأعداء ليرهبهم بذلك، فلم ير بأسا،﵁ * ثم قال أبو نعيم: فأن قيل: فأن إبراهيم خصم نمروذ ببرهان نبوته فبهته، قال الله تعالى: ﴿فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ﴾ قيل: محمد ﷺ أتاه الكذاب بالبعث، أبىّ بن خلف، بعظم بال ففركه وقال ﴿مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ﴾ فأنزل الله تعالى البرهان الساطع ﴿قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ﴾ فانصرف مبهوتا ببرهان نبوته * قلت: وهذا أقطع للحجة، وهو استدلاله للمعاد بالبداءة، فالذي خلق الخلق بعد أن لم يكونوا شيئا مذكورا، قادر على إعادتهم كما قال: ﴿أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلى وَهُوَ الْخَلاّقُ الْعَلِيمُ﴾ أي يعيدهم كما بدأهم كما قال في الآية الأخرى:
﴿بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى﴾ وقال: ﴿وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ﴾ هذا وأمر المعاد نظري لا فطري ضروري في قول الأكثرين، فأما الّذي حاجّ إبراهيم في ربه فأنه معاند مكابر، فأن وجود الصانع مذكور في الفطر، وكل واحد مفطور على ذلك، إلا من تغيرت فطرته، فيصير نظريا عنده، وبعض المتكلمين يجعل وجود الصانع من باب النظر لا الضروريات، وعلى كل تقدير فدعواه أنه هو الّذي يحيى الموتى، لا يقبله عقل ولا سمع، وكل واحد يكذبه بعقله في ذلك، ولهذا ألزمه إبراهيم بالإتيان بالشمس من المغرب إن كان كما ادعى ﴿فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظّالِمِينَ﴾ وكان ينبغي أن يذكر مع هذا أن الله تعالى سلط محمدا على هذا المعاند لما
بارز النبي ﷺ يوم أحد، فقتله بيده الكريمة، طعنه بحربة فأصاب ترقوته فتردى عن فرسه مرارا، فقالوا له: ويحك مالك؟ فقال: والله إن بى لما لو كان بأهل ذي المجاز لماتوا أجمعين: ألم يقل: بل أنا أقتله؟ والله لو بصق على لقتلني - وكان هذا لعنه الله قد أعد فرسا وحربة ليقتل بها رسول الله ﷺ، فقال: بل أنا أقتله إن شاء الله - فكان كذلك يوم أحد، * ثم قال أبو نعيم: فأن قيل:
فأن إبراهيم ﵇ كسر أصنام قومه غضبا لله،
قيل: فأن محمدا ﷺ كسر ثلاثمائة وستين صنما، قد ألزمها الشيطان بالرصاص والنحاس، فكان كلما دنا منها بمخصرته تهوى من غير أن يمسها، ويقول:
﴿جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً﴾ فتساقط لوجوهها، ثم أمر بهن فأخرجن إلى الميل، وهذا أظهر وأجلى من الّذي قبله، وقد ذكرنا هذا في أول دخول النبي ﷺ مكة عام الفتح بأسانيده وطرقه من الصحاح وغيرها، بما فيه كفاية * وقد ذكر غير واحد من علماء السير أن الأصنام