الْخَنْدَقَ وَالْحُدَيْبِيَةَ، وَبَايَعَ عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ بِإِحْدَى يَدَيْهِ، وَشَهِدَ خَيْبَرَ وَعُمْرَةَ الْقَضَاءِ، وَحَضَرَ الْفَتْحَ وَهَوَازِنَ وَالطَّائِفَ وغزوة تبوك، وجهز جيش العسرة. وتقدم عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ خَبَّابٍ أَنَّهُ جَهَّزَهُمْ يَوْمَئِذٍ بِثَلَاثِمِائَةِ بَعِيرٍ بِأَقْتَابِهَا وَأَحْلَاسِهَا، وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ أَنَّهُ جَاءَ يَوْمَئِذٍ بِأَلْفِ دِينَارٍ فَصَبَّهَا فِي حِجْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا ضَرَّ عُثْمَانَ مَا فَعَلَ بَعْدَ هَذَا الْيَوْمِ مَرَّتَيْنِ. وَحَجَّ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَجَّةَ الْوَدَاعِ، وَتُوُفِّيَ وَهُوَ عَنْهُ رَاضٍ، وَصَحِبَ أَبَا بَكْرٍ فَأَحْسَنَ صُحْبَتَهُ، وَتُوُفِّيَ وَهُوَ عَنْهُ رَاضٍ، وَصَحِبَ عُمَرَ فَأَحْسَنَ صُحْبَتَهُ وَتُوُفِّيَ وَهُوَ عَنْهُ رَاضٍ. وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي أَهْلِ الشُّورَى السِّتَّةِ، فَكَانَ خَيْرَهُمْ كَمَا سَيَأْتِي.
فَوَلِيَ الْخِلَافَةَ بَعْدَهُ فَفَتَحَ اللَّهُ عَلَى يَدَيْهِ كَثِيرًا مِنَ الْأَقَالِيمِ وَالْأَمْصَارِ، وَتَوَسَّعَتِ الْمَمْلَكَةُ الْإِسْلَامِيَّةُ، وَامْتَدَّتِ الدَّوْلَةُ الْمُحَمَّدِيَّةُ، وَبُلِّغَتِ الرِّسَالَةُ الْمُصْطَفَوِيَّةُ فِي مَشَارِقِ الْأَرْضِ وَمَغَارِبِهَا، وَظَهَرَ لِلنَّاسِ مِصْدَاقُ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ، وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ من بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً ٢٤: ٥٥ وَقَوْلِهِ تَعَالَى: هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ٩: ٣٣ وَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا هَلَكَ قَيْصَرُ فَلَا قَيْصَرَ بَعْدَهُ، وَإِذَا هَلَكَ كِسْرَى فَلَا كِسْرَى بَعْدَهُ، وَالَّذِي نَفْسِي بيده لتنفقن كُنُوزَهُمَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ» وَهَذَا كُلُّهُ تَحَقَّقَ وُقُوعُهُ وَتَأَكَّدَ وَتَوَطَّدَ فِي زَمَانِ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
وَقَدْ كَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَسَنَ الشَّكْلِ، مَلِيحَ الْوَجْهِ، كَرِيمَ الْأَخْلَاقِ، ذَا حَيَاءٍ كَثِيرٍ، وَكَرَمٍ غَزِيرٍ، يُؤْثِرُ أَهْلَهُ وَأَقَارِبَهُ فِي اللَّهِ، تَأْلِيفًا لِقُلُوبِهِمْ مِنْ مَتَاعِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا الْفَانِي، لَعَلَّهُ يُرَغِّبُهُمْ فِي إِيثَارِ مَا يَبْقَى عَلَى مَا يَفْنَى، كَمَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْطِي أَقْوَامًا وَيَدَعُ آخَرِينَ، يُعْطِي أَقْوَامًا خَشْيَةَ أَنْ يَكُبَّهُمُ اللَّهُ عَلَى وُجُوهِهِمْ فِي النَّارِ، وَيَكِلُ آخَرِينَ إِلَى مَا جَعَلَ اللَّهُ فِي قُلُوبِهِمْ مِنَ الْهُدَى والإيمان، وقد تعنت عليه بسبب هذه الخصلة أقوام، كما تعنت بَعْضُ الْخَوَارِجِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْإِيثَارِ. وَقَدْ قَدَّمْنَا ذَلِكَ فِي غَزْوَةِ حُنَيْنٍ حَيْثُ قَسَّمَ غَنَائِمَهَا وَقَدْ وَرَدَتْ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ فِي فَضْلِ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ نَذْكُرُ مَا تَيَسَّرَ مِنْهَا إِنْ شاء الله وبه الثقة، وهي قسمان- الْأَوَّلُ- فِيمَا وَرَدَ فِي فَضَائِلِهِ مَعَ غَيْرِهِ.
فَمِنْ ذَلِكَ الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ: حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ ثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ أَنَسًا حَدَّثَهُمْ قَالَ: «صَعِدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُحُدًا وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ، فَرَجَفَ فَقَالَ:
اسْكُنْ أُحُدُ- أَظُنُّهُ ضَرَبَهُ بِرِجْلِهِ- فَلَيْسَ عَلَيْكَ إِلَّا نَبِيٌّ وَصِدِّيقٌ وَشَهِيدَانِ» تَفَرَّدَ بِهِ دُونَ مُسْلِمٍ.
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: ثَنَا قُتَيْبَةُ ثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم «كان على حراء هو وأبو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَطَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute