للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم بعثتم بعد موتكم، ثم جعلت لكم نار تحرقون فيها. قال فخرج رسول الله فأخذ حفنة من تراب في يده ثم قال: «نعم أنا أقول ذلك أنت أحدهم» وأخذ الله على أبصارهم عنه فلا يرونه فجعل ينثر ذلك التراب على رءوسهم وهو يتلو هذه الآيات ﴿يس * وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ * إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ * عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ الى قوله ﴿وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ﴾ ولم يبق منهم رجل الا وقد وضع على رأسه ترابا ثم انصرف الى حيث أراد أن يذهب فأتاهم آت ممن لم يكن معهم فقال: ما تنتظرون هاهنا؟ قالوا محمدا، فقال خيبكم الله، قد والله خرج عليكم محمد ثم ما ترك منكم رجلا الا وقد وضع على رأسه ترابا، وانطلق لحاجته! أفما ترون ما بكم؟ قال فوضع كل رجل منهم يده على رأسه فإذا عليه تراب، ثم جعلوا يتطلعون فيرون عليا على الفراش متسجيا ببرد رسول الله فيقولون: والله إن هذا لمحمد نائما عليه برده، فلم يبرحوا كذلك حتى أصبحوا فقام على عن الفراش فقالوا: والله لقد كان صدقنا الّذي كان حدثنا.

قال ابن إسحاق: فكان مما أنزل الله في ذلك اليوم وما كانوا أجمعوا له قوله تعالى ﴿وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ﴾ وقوله ﴿أَمْ يَقُولُونَ شاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ * قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ﴾ قال ابن إسحاق فاذن الله لنبيه عند ذلك بالهجرة.

[باب هجرة رسول الله بنفسه الكريمة من مكة الى المدينة ومعه أبو بكر الصديق ]

وذلك أول التاريخ الإسلامي كما اتفق عليه الصحابة في الدولة العمرية كما بيناه في سيرة عمر وعنهم أجمعين. قال البخاري حدثنا مطر بن الفضل ثنا روح ثنا هشام ثنا عكرمة عن ابن عباس. قال: بعث النبي لأربعين ستة، فمكث فيها ثلاث عشرة يوحى اليه، ثم أمر بالهجرة فهاجر عشر سنين، ومات وهو ابن ثلاث وستين سنة. وقد كانت هجرته في شهر ربيع الأول سنة ثلاث عشرة من بعثته وذلك في يوم الاثنين كما رواه الامام احمد عن ابن عباس أنه قال: ولد نبيكم يوم الاثنين، وخرج من مكة يوم الاثنين، ونبئ يوم الاثنين، ودخل المدينة يوم الاثنين، وتوفى يوم الاثنين.

قال محمد بن إسحاق: وكان أبو بكر حين استأذن رسول الله في الهجرة فقال له: لا تعجل لعل الله أن يجعل لك صاحبا، قد طمع بأن يكون رسول الله إنما يعنى نفسه، فابتاع راحلتين فحبسهما في داره يعلفهما اعدادا لذلك. قال الواقدي: اشتراهما بثمانمائة درهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>