سفيان إلى مجلسه. قال فمكث أياما ثم أذن له في الهجرة، فلما هاجر رسول الله ﷺ الى المدينة توفى مطعم بن عدي بعده بيسير فقال حسان بن ثابت والله لأرثينه فقال فيما قال (١):
فلو كان مجد مخلد اليوم واحد … من الناس نحى مجده اليوم مطعما
أجرت رسول الله منهم فأصبحوا … عبادك ما لبى محل وأحرما
فلو سئلت عنه معد بأسرها … وقحطان أو باقي بقية جرهما
لقالوا هو الموفى بخفرة جاره … وذمته يوما إذا ما تجشما
وما تطلع الشمس المنيرة فوقهم … على مثله فيهم أعز وأكرما
إباء إذا يأبى وألين شيمة … وأنوم عن جار إذا الليل أظلما
قلت ولهذا قال النبي ﷺ يوم أسارى بدر:«لو كان المطعم بن عدي حيا ثم سألني في هؤلاء النقباء لوهبتهم له».
[فصل]
في عرض رسول الله ﷺ نفسه الكريمة على أحياء العرب في مواسم الحج أن يؤوه ونصروه ويمنعوه ممن كذبه وخالفه فلم يجبه أحد منهم لما ذخره الله تعالى للأنصار من الكرامة العظيمة ﵃ قال ابن إسحاق: ثم قدم رسول الله ﷺ مكة وقومه أشد ما كانوا عليه من خلافه وفراق دينه إلا قليلا مستضعفين ممن آمن به، فكان رسول الله ﷺ يعرض نفسه في المواسم - إذا كانت - على قبائل العرب يدعوهم الى الله ﷿، ويخبرهم أنه نبي مرسل، ويسألهم أن يصدقوه ويمنعوه حتى يبين عن الله ما بعثه به.
قال ابن إسحاق: فحدثني من أصحابنا من لا أتهم عن زيد بن أسلم عن ربيعة بن عباد الدؤلي - ومن حدثه أبو الزناد عنه - وحدثني حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس قال سمعت ربيعة ابن عباد يحدثه أبى. قال: إني لغلام شاب مع أبى بمنى ورسول الله ﷺ يقف على منازل القبائل من العرب فيقول: «يا بنى فلان إني رسول الله إليكم آمركم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وأن تخلعوا ما تعبدون من دونه من هذه الأنداد، وأن تؤمنوا بى وتصدقوا بى وتمنعوني حتى أبين عن الله ما بعثني به». قال وخلفه رجل أحول وضيء له غديرتان عليه حلة عدنية، فإذا فرغ رسول الله ﷺ من قوله وما دعا اليه. قال ذلك الرجل: يا بنى فلان إن هذا إنما يدعوكم الى أن تسلخوا اللات والعزى من أعناقكم، وحلفاءكم من الجن من بنى مالك بن أقيش الى ما جاء به من البدعة والضلالة
(١) لم نجد هذه الأبيات في السيرة وفي ديوانه المطبوع بمصر سنة ١٣٣١ اختلاف قريب.