قاضى القضاة ابن قاضى القضاة، ولد في رجب سنة ست وأربعين وأربعمائة، وولى القضاء بباب الطاق من بغداد وله من العمر ست وعشرون سنة، ولا يعرف حاكم قضى لأربعة من الخلفاء غيره إلا شريح، ثم ذكر إمامته وديانته وصيانته مما يدل على نخوته، وتفوقه وقوته، تولى الحكم أربعا وعشرين سنة وستة أشهر، وقبره عند مشهد أبى حنيفة.
[المبارك بن على]
ابن الحسين أبو سعد المخرمي، سمع الحديث وتفقه على مذهب أحمد، وناظر وأفتى ودرس، وجمع كتبا كثيرة لم يسبق إلى مثلها، وناب في القضاء، وكان حسن السيرة جميل الطريق، سديد الأقضية، وقد بنى مدرسة بباب الأزج وهي المنسوبة إلى الشيخ عبد القادر الجيلي الحنبلي، ثم عزل عن القضاء وصودر بأموال جزيلة، وذلك في سنة إحدى عشرة وخمسمائة، وتوفى في المحرم من هذه السنة ودفن إلى جانب أبى بكر الخلال عند قبر أحمد.
[ثم دخلت سنة أربع عشرة وخمسمائة]
في النصف من ربيع الأول منها كانت وقعة عظيمة بين الأخوين السلطان محمود ومسعود ابني محمد بن ملك شاه عند عقبة أسدآباذ، فانهزم عسكر مسعود وأسر وزيره الأستاذ أبو إسماعيل وجماعة من أمرائه، فأمر السلطان محمود بقتل الوزير أبى إسماعيل، فقتل وله نيف وستون سنة، وله تصانيف في صناعة الكيمياء. ثم أرسل إلى أخيه مسعود الأمان واستقدمه عليه، فلما التقيا بكيا واصطلحا.
وفيها نهب دبيس صاحب الحلة البلاد، وركب بنفسه إلى بغداد، ونصب خيمته بإزاء دار الخلافة، وأظهر ما في نفسه من الضغائن، وذكر كيف طيف برأس أبيه في البلاد، وتهدد المسترشد، فأرسل إليه الخليفة يسكن جأشه ويعده أنه سيصلح بينه وبين السلطان محمود، فلما قدم السلطان محمود بغداد أرسل دبيس يستأمن فأمنه وأجراه على عادته، ثم إنه نهب جسر السلطان فركب بنفسه السلطان لقتاله واستصحب معه ألف سفينة ليعبر فيها، فهرب دبيس والتجأ إلى إيلغازي فأقام عنده سنة، ثم عاد إلى الحلة وأرسل إلى الخليفة والسلطان يعتذر إليهما مما كان منه، فلم يقبلا منه، وجهز إليه السلطان جيشا فحاصروه وضيقوا عليه قريبا من سنة، وهو ممتنع في بلاده لا يقدر الجيش على الوصول إليه. وفيها كانت وقعة عظيمة بين الكرج والمسلمين بالقرب من تفليس، ومع الكرج كفار الفقجاق فقتلوا من المسلمين خلقا كثيرا، وغنموا أموالا جزيلة، وأسروا نحوا من أربعة آلاف أسير، ف ﴿إِنّا لِلّهِ وَإِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ﴾. ونهب الكرج تلك النواحي وفعلوا أشياء منكرة، وحاصروا تفليس مدة ثم ملكوها عنوة، بعد ما أحرقوا القاضي والخطيب حين خرجوا إليهم يطلبون منهم الأمان، وقتلوا عامة أهلها، وسبوا الذرية واستحوذوا على الأموال، فلا حول ولا قوة إلا بالله. وفيها أغار