الفاضل معه في هذه الغزوة، وكتب القاضي الفاضل إلى أخى السلطان صاحب اليمن يستدعيه إلى الشام لنصرة الإسلام، وأنه قَدْ عَزَمَ عَلَى حِصَارِ أَنْطَاكِيَةَ، وَيَكُونُ تَقِيُّ الدين عمر محاصرا طرابلس إِذَا انْسَلْخَ هَذَا الْعَامُ، ثُمَّ عَزَمَ الْقَاضِي الفاضل على الدخول إلى مصر، فودعه السلطان فدخل القدس فصلى به الجمعة وعيد فيه عيد الأضحى، ثم سار ومعه أخوه السلطان الْعَادِلُ إِلَى عَسْقَلَانَ، ثُمَّ أَقْطَعَ أَخَاهُ الْكَرَكَ عِوَضًا عَنْ عَسْقَلَانَ، وَأَمَرَهُ بِالِانْصِرَافِ لِيَكُونَ عَوْنًا لابنه العزيز على حوادث مصر، وَعَادَ السُّلْطَانُ فَأَقَامَ بِمَدِينَةِ عَكَّا حَتَّى انْسَلَخَتْ هذه السنة.
وفيها خرجت طائفة بمصر من الرافضة ليعيدوا دَوْلَةَ الْفَاطِمِيِّينَ، وَاغْتَنَمُوا غَيْبَةَ الْعَادِلِ عَنْ مِصْرَ، وَاسْتَخَفُّوا أَمْرَ الْعَزِيزِ عُثْمَانَ بْنِ صَلَاحِ الدِّينِ، فَبَعَثُوا اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا يُنَادُونَ فِي اللَّيْلِ يا آل على، يا آل على، بنياتهم على أن العامة تجيبهم فلم يجبهم أحد، ولا التفت إليهم، فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِكَ انْهَزَمُوا فَأُدْرِكُوا وَأُخِذُوا وَقُيِّدُوا وحبسوا، ولما بلغ أمرهم السُّلْطَانِ صَلَاحِ الدِّينِ سَاءَهُ ذَلِكَ وَاهْتَمَّ لَهُ، وكان القاضي الْفَاضِلُ عِنْدَهُ بَعْدُ لَمْ يُفَارِقْهُ، فَقَالَ لَهُ: أَيُّهَا الْمَلِكُ يَنْبَغِي أَنْ تَفْرَحَ وَلَا تَحْزَنَ، حيث لم يصغ إلى هؤلاء الجهلة أحد من رعيتك، ولو أنك بعثت جواسيس من قبلك يختبرون الناس لسرّك ما بلغك عنهم، فسرى عنه ما كان يجد، ورجع إلى قوله وأرسله إلى مصر ليكون له عينا وعونا.