للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شبيبته حتى أنه درس بالنظاميّة ببغداد، في سنة أربع وثمانين، وله أربع وثلاثون سنة، فحضر عنده رءوس العلماء، وكان ممن حضر عنده أبو الخطاب وابن عقيل، وهما من رءوس الحنابلة، فتعجبوا من فصاحته واطلاعه، قال ابن الجوزي: وكتبوا كلامه في مصنفاتهم، ثم إنه خرج عن الدنيا بالكلية وأقبل على العبادة وأعمال الآخرة، وكان يرتزق من النسخ، ورحل إلى الشام فأقام بها بدمشق وبيت المقدس مدة، وصنف في هذه المدة كتابه إحياء علوم الدين، وهو كتاب عجيب، يشتمل على علوم كثيرة من الشرعيات، وممزوج بأشياء لطيفة من التصوف وأعمال القلوب، لكن فيه أحاديث كثيرة غرائب ومنكرات وموضوعات، كما يوجد في غيره من كتب الفروع التي يستدل بها على الحلال والحرام، فالكتاب الموضوع للرقائق والترغيب والترهيب أسهل أمرا من غيره، وقد شنع عليه أبو الفرج ابن الجوزي، ثم ابن الصلاح، في ذلك تشنيعا كثيرا، وأراد المازري أن يحرق كتابه إحياء علوم الدين، وكذلك غيره من المغاربة، وقالوا: هذا كتاب إحياء علوم دينه، وأما ديننا فاحياء علومه كتاب الله وسنة رسوله، كما قد حكيت ذلك في ترجمته في الطبقات، وقد زيف ابن شكر مواضع إحياء علوم الدين، وبين زيفها في مصنف مفيد، وقد كان الغزالي يقول: أنا مزجى البضاعة في الحديث، ويقال إنه مال في آخر عمره إلى سماع الحديث والتحفظ للصحيحين، وقد صنف ابن الجوزي كتابا على الأحياء وسماه علوم الأحياء بأغاليط الاحيا، قال ابن الجوزي: ثم ألزمه بعض الوزراء بالخروج إلى نيسابور فدرس بنظاميتها، ثم عاد إلى بلده طوس فأقام بها، وابتنى رباطا واتخذ دارا حسنة، وغرس فيها بستانا أنيقا، وأقبل على تلاوة القرآن وحفظ الأحاديث الصحاح، وكانت وفاته في يوم الاثنين الرابع عشر من جمادى الآخرة من هذه السنة، ودفن بطوس رحمه الله تعالى، وقد سأله بعض أصحابه وهو في السياق فقال: أوصني، فقال: عليك بالإخلاص، ولم يزل يكررها حتى مات .

[ثم دخلت سنة ست وخمسمائة]

في جمادى الآخرة منها جلس ابن الطبري مدرسا بالنظاميّة وعزل عنها الشاشي. وفيها دخل الشيخ الصالح أحد العباد يوسف بن داود إلى بغداد، فوعظ الناس، وكان له القبول التام، وكان شافعيا تفقه بالشيخ أبى إسحاق الشيرازي، ثم اشتغل بالعبادة والزهادة، وكانت له أحوال صالحة، جاراه رجل مرة يقال له ابن السقافى مسألة فقال: له اسكت فانى أجد من كلامك رائحة الكفر، ولعلك أن تموت على غير دين الإسلام، فاتفق بعد حين أنه خرج ابن السقا إلى بلاد الروم في حاجة فتنصر هناك، ف ﴿إِنّا لِلّهِ وَإِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ﴾. وقام إليه مرة وهو يعظ الناس ابنا أبى بكر الشاشي فقالا له: إن كنت تتكلم على مذهب الأشعري وإلا فاسكت، فقال: لا متعتما بشبابكما، فماتا شابين، ولم يبلغا سن الكهولة. وحج بالناس فيها أمير الجيوش بطز الخادم، ونالهم عطش.

<<  <  ج: ص:  >  >>