للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الله يعلم أننى كمد ... لا أستطيع بث مَا أَجِدُ

رُوحَانِ لِي رُوحٌ تَضَمَّنَهَا ... بَلَدٌ وأخزى حَازَهَا بَلَدُ

وَأَرَى الْمُقِيمَةَ لَيْسَ يَنْفَعُهَا ... صَبْرٌ ولا يقوى لها جلد

وأظن غائبتى كحاضرتى ... بِمَكَانِهَا تَجِدُ الَّذِي أَجِدُ

قَالَ الْمُبَرِّدُ فَقُلْتُ: والله إن هذا طريف فَزِدْنَا مِنْهُ فَأَنْشَأَ يَقُولُ:

لَمَّا أَنَاخُوا قُبَيْلَ الصبح غيرهم ... وحملوها فَثَارَتْ بِالْهَوَى الْإِبِلُ

وَأَبْرَزَتْ مِنْ خِلَالِ السِّجْفِ نَاظِرَهَا ... تَرْنُو إِلَيَّ وَدَمْعُ الْعَيْنِ يَنْهَمِلُ

وَوَدَّعَتْ ببنان عقدها عنم ... ناديت لا حملت رجلاك بأجمل

وَيْلِي مِنَ الْبَيِنِ مَاذَا حَلَّ بِي وَبِهِمْ ... مِنْ نَازِلِ الْبَيْنِ حَانَ الْبَيْنُ وَارْتَحَلُوا

يَا راحل العيش عَجِّلْ كَيْ أُوَدِّعَهُمْ ... يَا رَاحِلَ الْعِيسِ فِي تَرْحَالِكَ الْأَجَلُ

إِنِّي عَلَى الْعَهْدِ لَمْ أَنْقُضْ مَوَدَّتَهُمْ ... فَلَيْتَ شِعْرِي لِطُولِ الْعَهْدِ مَا فَعَلُوا

فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْبُغَضَاءِ الَّذِينَ مَعِي: مَاتُوا. فَقَالَ الشَّابُّ: إِذًا أَمُوتُ، فَقَالَ إِنْ شِئْتَ. فَتَمَطَّى وَاسْتَنَدَ إِلَى سَارِيَةٍ عِنْدَهُ وَمَاتَ وَمَا بَرِحْنَا حَتَّى دَفَنَّاهُ رَحِمَهُ اللَّهُ. وَمَاتَ الْمُبَرِّدُ وقد جاوز السبعين.

ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ سِتٍّ وَثَمَانِينَ وَمِائَتَيْنِ

فِيهَا وَقَعَ تَسَلُّمُ آمِدَ مِنِ ابْنِ الشَّيْخِ فِي ربيع الآخر ووصل كتاب هارون بْنِ أَحْمَدَ بْنِ طُولُونَ مِنْ مِصْرَ إِلَى الْمُعْتَضِدِ وَهُوَ مُخَيِّمٌ بِآمِدَ أَنْ يُسَلِّمَ إِلَيْهِ قنسرين والعواصم على أن يقره على إمارة الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ، فَأَجَابَهُ إِلَى ذَلِكَ، ثُمَّ تَرَحَّلَ عن آمد قاصد الْعِرَاقَ وَأَمَرَ بِهَدْمِ سُورِ آمِدَ فَهَدَمَ الْبَعْضَ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى ذَلِكَ، فَقَالَ ابْنُ الْمُعْتَزِّ يُهَنِّئُهُ بِفَتْحِ آمِدَ

اسْلَمْ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَدُمْ ... فِي غِبْطَةٍ وَلْيَهْنِكَ النَّصْرُ

فَلَرُبَّ حَادِثَةٍ نَهَضْتَ لَهَا ... مُتَقَدِّمًا فَتَأَخَّرَ الدَّهْرُ

لَيْثٌ فَرَائِسُهُ اللُّيُوثُ ... فما بيض مِنْ دَمِهَا لَهُ ظُفْرُ

وَلَمَّا رَجَعَ الْخَلِيفَةُ إِلَى بَغْدَادَ جَاءَتْهُ هَدِيَّةُ عَمْرِو بْنِ اللَّيْثِ مِنْ نَيْسَابُورَ فَكَانَ وُصُولُهَا بَغْدَادَ يَوْمَ الْخَمِيسِ لِثَمَانٍ بَقِينَ مِنْ جُمَادَى الْآخِرَةِ، وَكَانَ مَبْلَغُهَا مَا قِيمَتُهُ أَرْبَعَةُ آلَافِ أَلْفِ دِرْهَمٍ خَارِجًا عن الدواب وسروج وسلاح وغير ذلك. وفيها نحارب إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ السَّامَانِيُّ وَعَمْرُو بْنُ اللَّيْثِ، وَذَلِكَ أَنَّ عَمْرَو بْنَ اللَّيْثِ لَمَّا قَتَلَ رَافِعَ بْنَ هَرْثَمَةَ وَبَعَثَ بِرَأْسِهِ إِلَى الْخَلِيفَةِ سَأَلَ مِنْهُ أَنْ يُعْطِيَهُ مَا وَرَاءَ النَّهْرِ مُضَافًا إِلَى مَا بِيَدِهِ مِنْ وِلَايَةِ خُرَاسَانَ، فَأَجَابَهُ إِلَى ذَلِكَ فَانْزَعَجَ لِذَلِكَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ السَّامَانِيُّ نَائِبُ مَا وَرَاءَ النَّهْرِ، وَكَتَبَ إِلَيْهِ: إِنَّكَ قَدْ وُلِّيتَ دُنْيَا عَرِيضَةً فَاقْتَنِعْ بِهَا عَنْ مَا فِي يَدِي مِنْ هَذِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>