جبل حراء بين فلقتى القمر، فذهب فلقة. فتعجب أهل مكة من ذلك وقالوا هذا سحر مصنوع سيذهب.
وقال ليث بن أبى سليم عن مجاهد. قال: انشق القمر على عهد رسول الله ﷺ فصار فرقتين: فقال النبي ﷺ لأبي بكر: «فاشهد يا أبا بكر» وقال المشركون: سحر القمر حتى انشق فهذه طرق متعددة قوية الأسانيد تفيد القطع لمن تأملها وعرف عدالة رجالها. وما يذكره بعض القصاص من أن القمر سقط إلى الأرض حتى دخل في كم النبي ﷺ وخرج من الكم الآخر فلا أصل له، وهو كذب مفترى ليس بصحيح. والقمر حين انشق لم يزايل السماء غير أنه حين أشار اليه النبي ﷺ انشق عن إشارته فصار فرقتين، فسارت واحدة حتى صارت من وراء حراء، ونظروا إلى الجبل بين هذه وهذه كما أخبر بذلك ابن مسعود أنه شاهد ذلك. وما وقع في رواية أنس في مسند احمد: فانشق القمر بمكة مرتين فيه نظر، والظاهر أنه أراد فرقتين والله أعلم.
[فصل في وفاة أبى طالب عم رسول الله ﷺ]
ثم من بعده خديجة بنت خويلد زوجة رسول الله ﷺ ورضى الله عنها. وقيل بل هي توفيت قبله والمشهور الأول. وهذان المشفقان، هذا في الظاهر وهذه في الباطن، هذاك كافر وهذه مؤمنة صديقة ﵂ وأرضاها.
قال ابن إسحاق: ثم إن خديجة وأبا طالب هلكا في عام واحد، فتتابعت على رسول الله ﷺ المصائب بهلك خديجة، وكانت له وزير صدق على الابتلاء (١) يسكن اليها، ويهلك عمه أبى طالب وكان له عضدا وحرزا في أمره، ومنعة وناصرا على قومه. وذلك قبل مهاجره إلى المدينة بثلاث سنين فلما هلك أبو طالب، نالت قريش من رسول الله ﷺ من الأذى ما لم تكن تطمع به في حياة أبى طالب حتى اعترضه سفيه من سفهاء قريش فنثر على رأسه ترابا.
فحدثني هشام بن عروة عن أبيه.
قال: فدخل رسول الله ﷺ بيته والتراب على رأسه فقامت اليه إحدى بناته تغسله وتبكى، ورسول الله ﷺ يقول:«لا تبكى يا بنية فان الله مانع أباك» ويقول بين ذلك: «ما نالتنى قريش شيئا أكرهه حتى مات أبو طالب».
وذكر ابن إسحاق قبل ذلك: أن أحدهم ربما طرح الأذى في برمته ﷺ إذا نصبت له. قال فكان إذا فعلوا ذلك كما حدثني عمر بن عبد الله عن عروة يخرج بذلك الشيء على العود فيقذفه على بابه ثم يقول: يا بنى عبد مناف أي جوار هذا؟ ثم يلقيه في الطريق.
(١) في ابن هشام: على الإسلام يشكو اليها. وأحسب أن عبارة الأصل انسب للمقام.