للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ الشَّافِعِيُّ: سَمِعْتُ مَنْ يَذْكُرُ أَنَّ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ دَخَلَ عَلَى امْرَأَتِهِ وَهِيَ تَتَخَلَّلُ- أي تخلل أسنانها لتخرج مَا بَيْنَهَا مِنْ أَذًى- وَكَانَ ذَلِكَ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ، فَقَالَ: وَاللَّهِ لَئِنْ كُنْتِ بَاكَرْتِ الغذاء إنك لرعينة دَنِيَّةٌ، وَإِنْ كَانَ الَّذِي تُخَلِّلِينَ مِنْهُ شَيْءٌ بَقِيَ فِي فِيكِ مِنَ الْبَارِحَةِ إِنَّكِ لِقَذِرَةٌ، فَطَلَّقَهَا فَقَالَتْ: وَاللَّهِ مَا كَانَ شَيْءٌ مِمَّا ذَكَرْتَ، وَلَكِنَّنِي بَاكَرْتُ مَا تُبَاكِرُهُ الْحُرَّةُ مِنَ السِّوَاكِ، فَبَقِيَتْ شَظِيَّةٌ فِي فَمِي مِنْهُ فَحَاوَلْتُهَا لِأُخْرِجَهَا. فَقَالَ الْمُغِيرَةُ لِيُوسُفَ أَبِي الْحَجَّاجِ: تَزَوَّجْهَا فإنها لخليقة بأن تَأْتِيَ بِرَجُلٍ يَسُودُ، فَتَزَوَّجَهَا يُوسُفُ أَبُو الْحَجَّاجِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَأُخْبِرْتُ أَنَّ أَبَا الْحَجَّاجِ لَمَّا بَنَى بِهَا وَاقَعَهَا فَنَامَ فَقِيلَ لَهُ فِي النَّوْمِ: مَا أَسْرَعَ مَا أَلْقَحْتَ بِالْمُبِيرِ.

قَالَ ابْنُ خَلِّكَانَ: وَاسْمُ أُمِّهِ الْفَارِعَةُ بِنْتُ هَمَّامِ بْنِ عُرْوَةَ بْنِ مَسْعُودٍ الثَّقَفِيِّ، وَكَانَ زَوْجُهَا الحارث ابن كَلَدَةَ الثَّقَفِيُّ طَبِيبَ الْعَرَبِ، وَذَكَرَ عَنْهُ هَذِهِ الْحِكَايَةَ فِي السِّوَاكِ. وَذَكَرَ صَاحِبُ الْعِقْدِ أَنَّ الْحَجَّاجَ كَانَ هُوَ وَأَبُوهُ يُعَلِّمَانِ الْغِلْمَانَ بِالطَّائِفِ، ثُمَّ قَدِمَ دِمَشْقَ فَكَانَ عِنْدَ رَوْحِ بْنِ زِنْبَاعٍ وَزِيرِ عَبْدِ الْمَلِكِ، فَشَكَا عَبْدُ الْمَلِكِ إِلَى رَوْحٍ أَنَّ الْجَيْشَ لَا يَنْزِلُونَ لِنُزُولِهِ وَلَا يَرْحَلُونَ لِرَحِيلِهِ، فَقَالَ رَوْحٌ: عِنْدِي رَجُلٌ تُوَلِّيهِ ذَلِكَ، فَوَلَّى عَبْدُ الْمَلِكِ الْحَجَّاجَ أَمْرَ الْجَيْشِ، فَكَانَ لَا يَتَأَخَّرُ أَحَدٌ فِي النُّزُولِ وَالرَّحِيلِ، حَتَّى اجْتَازَ إِلَى فُسْطَاطِ رَوْحِ بْنِ زِنْبَاعٍ وَهُمْ يَأْكُلُونَ فَضَرَبَهُمْ وَطَوَّفَ بِهِمْ وَأَحْرَقَ الْفُسْطَاطَ، فَشَكَا رَوْحٌ ذَلِكَ إِلَى عَبْدِ الْمَلِكِ، فَقَالَ لِلْحَجَّاجِ: لِمَ صَنَعْتَ هَذَا؟ فَقَالَ: لَمْ أَفْعَلْهُ إِنَّمَا فَعَلَهُ أَنْتَ، فَإِنَّ يَدِي يَدُكَ، وَسَوْطِي سَوْطُكَ، وَمَا ضَرَّكَ إِذَا أَعْطَيْتَ رَوْحًا فُسْطَاطَيْنِ بَدَلَ فُسْطَاطِهِ، وَبَدَلَ الْغُلَامِ غُلَامَيْنِ، وَلَا تَكْسِرُنِي فِي الَّذِي وَلَّيْتَنِي؟ فَفَعَلَ ذَلِكَ وَتَقَدَّمَ الْحَجَّاجُ عِنْدَهُ. قَالَ: وَبَنَى وَاسِطَ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَثَمَانِينَ، وَفَرَغَ مِنْهَا فِي سَنَةِ سِتٍّ وَثَمَانِينَ، وَقِيلَ قَبْلَ ذَلِكَ. قَالَ: وَفِي أَيَّامِهِ نُقِطَتِ الْمَصَاحِفُ، وَذُكِرَ فِي حِكَايَتِهِ مَا يَدُلُّ أَنَّهُ كَانَ أَوَّلًا يُسَمَّى كُلَيْبًا، ثُمَّ سُمِّيَ الْحَجَّاجَ. وَذُكِرَ أَنَّهُ وُلِدَ وَلَا مَخْرَجَ لَهُ حَتَّى فُتِقَ لَهُ مَخْرَجٌ، وَأَنَّهُ لَمْ يَرْتَضِعْ أياما حتى سقوه دم جدي ثم دم سالح وَلُطِّخَ وَجْهُهُ بِدَمِهِ فَارْتَضَعَ، وَكَانَتْ فِيهِ شَهَامَةٌ وَحُبٌّ لِسَفْكِ الدِّمَاءِ، لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَا ارْتَضَعَ ذَلِكَ الدَّمُ الَّذِي لُطِّخَ بِهِ وَجْهُهُ، وَيُقَالُ إِنَّ أُمَّهُ هِيَ الْمُتَمَنِّيَةُ لِنَصْرِ بْنِ حَجَّاجِ بْنِ عِلَاطٍ، وَقِيلَ إِنَّهَا أُمُّ أَبِيهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَكَانَتْ فِيهِ شَهَامَةٌ عَظِيمَةٌ، وَفِي سَيْفِهِ رَهَقٌ، وَكَانَ كَثِيرَ قَتْلِ النُّفُوسِ الَّتِي حَرَّمَهَا اللَّهُ بِأَدْنَى شُبْهَةٍ، وَكَانَ يَغْضَبُ غَضَبَ الْمُلُوكِ، وَكَانَ فِيمَا يَزْعُمُ يَتَشَبَّهُ بِزِيَادِ بْنِ أَبِيهِ، وَكَانَ زِيَادٌ يَتَشَبَّهُ بِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِيمَا يَزْعُمُ أَيْضًا، وَلَا سَوَاءٌ وَلَا قَرِيبٌ. وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ عَسَاكِرَ فِي تَرْجَمَةِ سُلَيْمِ بْنِ عنز التُّجِيبِيِّ قَاضِي مِصْرَ، وَكَانَ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ.

وَكَانَ مِمَّنْ شَهِدَ خُطْبَةَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ بِالْجَابِيَةِ، وَكَانَ مِنَ الزَّهَادَةِ وَالْعِبَادَةِ عَلَى جَانِبٍ عَظِيمٍ، وَكَانَ يَخْتِمُ الْقُرْآنَ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ ثَلَاثَ خَتَمَاتٍ فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا، وَالْمَقْصُودُ أَنَّ الْحَجَّاجَ كَانَ مَعَ أَبِيهِ بِمِصْرَ فِي جَامِعِهَا فاجتاز بهما سليم بن عنز هَذَا فَنَهَضَ إِلَيْهِ أَبُو

<<  <  ج: ص:  >  >>