دينارا، فلما امتلأ أرصد له جبا آخر كذلك، ثم آخر كذلك، فكان يضع فيها في كل يوم ثلاثة دنانير على عدد أيام عمر ولده. ومع هذا ما أفاده ذلك شيئا، بل افتقر هذا الولد حتى صار يستعطى من الناس، وكان يحضر مجلس السماع عليه عباءة بلا إزار، فكان يتصدق عليه أهل المجلس بشيء يقوم بأوده. والسعيد من أسعده الله ﷿.
[محمد بن مخلد بن جعفر]
أبو عمر الدوري العطار، كان يسكن الدور - وهي محلة بطرف بغداد - سمع الحسن بن عرفة والزبير بن بكار ومسلم بن الحجاج وغيرهم، وعنه الدار قطنى وجماعة، وكان ثقة فهما واسع الرواية مشكور الديانة مشهورا بالعبادة. توفى في جمادى الأولى منها، وقد استكمل سبعا وسبعين سنة وثمانية أشهر وإحدى وعشرين يوما. المجنون البغدادي روى ابن الجوزي من طريق أبى بكر الشبلي قال:
رأيت مجنونا عند جامع الرصافة وهو عريان وهو يقول: أنا مجنون الله، أنا مجنون الله. فقلت له: مالك ألا تستتر وتدخل الجامع وتصلى؟ فأنشأ يقول:
إذا هم رأوا حالي ولم يأنفوا لها … ولم يأنفوا منها أنفت لهم منى
[ثم دخلت سنة ثنتين وثلاثين وثلاثمائة]
فيها خرج المتقى أمير المؤمنين من بغداد إلى الموصل مغاضبا لتورون، وهو إذ ذاك بواسط، وقد زوج ابنته من أبى عبد الله البريدي، وصارا يدا واحدة على الخليفة. وأرسل ابن شير زاد في ثلاثمائة إلى بغداد فأفسد فيها وقطع ووصل، واستقل بالأمر من غير مراجعة المتقى. فغضب المتقى وخرج منها مغاضبا له بأهله وأولاده ووزيره ومن اتبعه من الأمراء، قاصدا الموصل إلى بنى حمدان، فتلقاه سيف الدولة إلى تكريت، ثم جاءه ناصر الدولة وهو بتكريت أيضا، وحين خرج المتقى من بغداد أكثر ابن شيرزاد فيها الفساد، وظلم أهلها وصادرهم، وأرسل يعلم تورون، فأقبل مسرعا نحو تكريت فتواقع هو وسيف الدولة فهزم تورون سيف الدولة وأخذ معسكره ومعسكر أخيه ناصر الدولة ثم كر إليه سيف الدولة فهزمه تورون أيضا، وانهزم المتقى وناصر الدولة وسيف الدولة من الموصل إلى نصيبين وجاء تورون فدخل الموصل وأرسل إلى الخليفة يطلب رضاه، فأرسل الخليفة يقول: لا سبيل إلى ذلك إلا أن تصالح بنى حمدان، فاصطلحوا، وضمن ناصر الدولة بلاد الموصل بثلاثة آلاف ألف وستمائة ألف، ورجع تورون إلى بغداد وأقام الخليفة عند بنى حمدان. وفي غيبة تورون هذه عن واسط أقبل إليها معز الدولة بن بويه في خلق من الديلم كثيرين، فانحدر تورون مسرعا إلى واسط فاقتتل مع معز الدولة بضعة عشر يوما، وكان آخر الأمر أن انهزم معز الدولة ونهبت حواصله، وقتل