للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالتقاه السلطان ألب أرسلان في جيشه وهم قريب من عشرين ألفا، بمكان يقال له الزهوة، في يوم الأربعاء لخمس بقين من ذي القعدة، وخاف السلطان من كثرة جند ملك الروم، فأشار عليه الفقيه أبو نصر محمد بن عبد الملك البخاري بأن يكون وقت الوقعة يوم الجمعة بعد الزوال حين يكون الخطباء يدعون للمجاهدين، فلما كان ذلك الوقت وتواقف الفريقان وتواجه الفتيان، نزل السلطان عن فرسه وسجد لله ﷿، ومرغ وجهه في التراب ودعا الله واستنصره، فأنزل نصره على المسلمين، ومنحهم أكتافهم فقتلوا منهم خلقا كثيرا، وأسر ملكهم أرمانوس، أسره غلام رومي، فلما أوقف بين يدي الملك ألب أرسلان ضربه بيده ثلاث مقارع وقال: لو كنت أنا الأسير بين يديك ما كنت تفعل؟ قال: كل قبيح، قال: فما ظنك بى؟ فقال: إما أن تقتل وتشهرني في بلادك، وإما أن تعفو وتأخذ الفداء وتعيدني. قال: ما عزمت على غير العفو والفداء. فافتدى نفسه منه بألف ألف دينار وخمسمائة ألف دينار. فقام بين يدي الملك وسقاه شربة من ماء وقبل الأرض بين يديه، وقبل الأرض إلى جهة الخليفة إجلالا وإكراما، وأطلق له الملك عشرة آلاف دينار ليتجهز بها، وأطلق معه جماعة من البطارقة وشيعه فرسخا، وأرسل معه جيشا يحفظونه إلى بلاده، ومعهم راية مكتوب عليها لا إله إلا الله محمد رسول الله، فلما انتهى إلى بلاده وجد الروم قد ملّكوا عليهم غيره، فأرسل إلى السلطان يعتذر إليه، وبعث من الذهب والجواهر ما يقارب ثلاثمائة ألف دينار، وتزهد ولبس الصوف ثم استغاث بملك الأرمن فأخذه وكحله وأرسله إلى السلطان يتقرب إليه بذلك.

وفيها خطب محمود بن مرداس للقائم وللسلطان ألب أرسلان، فبعث إليه الخليفة بالخلع والهدايا والتحف، والعهد مع طراد. وفيها حج بالناس أبو الغنائم العلويّ، وخطب بمكة للقائم، وقطعت خطبة المصريين منها، وكان يخطب لهم فيها من نحو مائة سنة، فانقطع ذلك.

وفيها توفى من الأعيان.

[أحمد بن على]

ابن ثابت بن أحمد بن مهدي، أبو بكر الخطيب البغدادي، أحد مشاهير الحفاظ، وصاحب تاريخ بغداد وغيره من المصنفات العديدة المفيدة، نحو من ستين مصنفا، ويقال بل مائة مصنف.

فالله أعلم. ولد سنة إحدى وتسعين وثلاثمائة، وقيل سنة ثنتين وتسعين، وأول سماعه سنة ثلاث وأربعمائة، ونشأ ببغداد، وتفقه على أبى طالب الطبري وغيره من أصحاب الشيخ أبى حامد الأسفراييني، وسمع الحديث الكثير، ورحل إلى البصرة ونيسابور وأصبهان وهمذان والشام والحجاز، وسمى الخطيب لأنه كان يخطب بدرب ريحان، وسمع بمكة على القاضي أبى عبد الله محمد بن سلامة القضاعي، وقرأ صحيح البخاري على كريمة بنت أحمد في خمسة أيام، ورجع إلى بغداد وحظي عند الوزير أبى القاسم بن مسلمة، ولما ادعى اليهود الخيابرة أن معهم كتابا نبويا فيه إسقاط الجزية

<<  <  ج: ص:  >  >>