أبو الهيجاء عيسى بن حثير الازكشى الكردي الأموي، كان من أعيان الأمراء وشجعانهم، وله يوم عين جالوت اليد البيضاء في كسر التتار، ولما دخل الملك المظفر إلى دمشق بعد الوقعة جعله مع الأمير علم الدين سنجر الحلبي نائبا على دمشق مستشارا ومشتركا في الرأى والمراسيم والتدبير، وكان يجلس معه في دار العدل وله الاقطاع الكامل والرزق الواسع، إلى أن توفى في هذه السنة. قال أبو شامة: ووالده الأمير حسام الدين توفى في جيش الملك الأشرف ببلاد الشرق هو والأمير عماد الدين أحمد بن المشطوب. قلت وولده الأمير عز الدين تولى هذه المدينة أعنى دمشق مدة، وكان مشكور السيرة وإليه ينسب درب ابن سنون بالصاغة العتيقة، فيقال درب ابن أبى الهيجاء لأنه كان يسكنه وكان يعمل الولاية فيه فعرف به، وبعد موته بقليل كان فيه نزولنا حين قدمنا من حوران وأنا صغير فختمت فيه القرآن، ولله الحمد.
[ثم دخلت سنة ثنتين وستين وستمائة]
استهلت والخليفة الحاكم بأمر الله العباسي، والسلطان الظاهر بيبرس، ونائب دمشق الأمير جمال الدين آقوش النجيبى وقاضيه ابن خلكان.
وفيها في أولها كملت المدرسة الظاهرية التي بين القصرين، ورتب لتدريس الشافعية بها القاضي تقى الدين محمد بن الحسين بن رزين، ولتدريس الحنفية مجد الدين عبد الرحمن بن كمال الدين عمر ابن العديم، ولمشيخة الحديث بها الشيخ شرف الدين عبد المؤمن بن خلف الحافظ الدمياطيّ.
وفيها عمر الظاهر بالقدس خانا ووقف عليه أوقافا للنازلين به من إصلاح نعالهم وأكلهم وغير ذلك، وبنى به طاحونا وفرنا.
وفيها قدمت رسل بركه خان إلى الملك الظاهر ومعهم الأشرف ابن الشهاب غازى بن العادل، ومعهم من الكتب والمشافهات ما فيه سرور للإسلام وأهله مما حل بهولاكو وأهله.
وفي جمادى الآخرة منها درس الشيخ شهاب الدين أبو شامة عبد الرحمن بن إسماعيل المقدسي بدار الحديث الأشرفية، بعد وفاة عماد الدين بن الحرستانيّ، وحضر عنده القاضي ابن خلكان وجماعة من القضاة والأعيان، وذكر خطبة كتابه المبعث، وأورد الحديث بسنده ومتنه وذكر فوائد كثيرة مستحسنة، ويقال إنه لم يراجع شيئا حتى ولا درسه ومثله لا يستكثر ذلك عليه والله أعلم.
وفيها قدم نصير الدين الطوسي إلى بغداد من جهة هولاكو، فنظر في الأوقاف وأحوال البلد، وأخذ كتبا كثيرة من سائر المدارس وحولها إلى رصده الّذي بناه بمراغة، ثم انحدر إلى واسط والبصرة.