الكثير من المشايخ، روى عنه الدار قطنى وغيره، وكان من أعرف الناس بالقراءات، وله كتاب في النحو على طريقة الكوفيين، سماه كتاب الأنوار. قال ابن الجوزي: ما رأيت مثله، وله تصانيف غيره، ولكن تكلم الناس فيه بسبب تفرده بقراءات لا تجوز عند الجميع، وكان يذهب إلى أن كل ما لا يخالف الرسم ويسوغ من حيث المعنى تجوز القراءة به كقوله تعالى ﴿فَلَمَّا اِسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا﴾ أي يتناجون. قال لو قرئ نجيبا من النجابة لكان قويا. وقد ادعى عليه وكتب عليه مكتوب أنه قد رجع عن مثل ذلك، ومع هذا لم ينته عما كان يذهب إليه حتى مات. قاله ابن الجوزي.
[محمد بن عبد الله بن إبراهيم بن عبد ربه]
ابن موسى أبو بكر الشافعيّ، وله بجبلان سنة ستين ومائتين، وسمع الكثير، وسكن بغداد، وكان ثقة ثبتا كثير الرواية، سمع منه الدار قطنى وغيره من الحفاظ، وكان يحدث بفضائل الصحابة حين منعت الديالم من ذلك جهرا بالجامع بمدينة المنصور مخالفة لهم، وكذلك بمسجده بباب الشام.
توفى في هذه السنة عن أربع وتسعين سنة رحمه الله تعالى.
[ثم دخلت سنة خمس وخمسين وثلاثمائة]
في عاشر المحرم عملت الروافض بدعتهم الشنعاء وضلالتهم الصلعاء على عادتهم ببغداد. وفيها أجلى القرامطة الهجريين من عمان. وفيها قصدت الروم آمد فحاصروها فلم يقدروا عليها، ولكن قتلوا من أهلها ثلاثمائة وأسروا منهم أربعمائة، ثم ساروا إلى نصيبين، وفيها سيف الدولة فهم بالهرب مع العرب، ثم تأخر مجيء الروم فثبت مكانه وقد كادت تزلزل أركانه. وفيها وردت طائفة من جيش خراسان - وكانوا بضعة عشر ألفا - يظهرون أنهم يريدون غزو الروم، فأكرمهم ركن الدولة بن بويه وأمنوا إليهم فنهضوا إليهم وأخذوا الديلم على غرة فقاتلهم ركن الدولة فظفر بهم لأن البغي له مصرع وخيم وهرب أكثرهم. وفيها خرج معز الدولة من بغداد إلى واسط لقتال عمران بن شاهين حين تفاقم الحال بشأنه، واشتهر أمره في تلك النواحي، فقوى المرض بمعز الدولة فاستناب على الحرب ورجع إلى بغداد فكانت وفاته في السنة الآتية كما سنذكره - إلى حيث ألقت. وفيها قوى أمر أبى عبد الله ابن الداعي ببلاد الديلم وأظهر النسك والعبادة، ولبس الصوف وكتب إلى الآفاق حتى إلى بغداد يدعو إلى الجهاد في سبيل الله لمن سب أصحاب رسول الله ﷺ. وفي جمادى الآخرة نودي برفع المواريث الحشرية وأن ترد إلى ذوى الأرحام. وفيها وقع الفداء بين سيف الدولة وبين الروم فاستنقذ منهم أسارى كثيرة، منهم ابن عمه أبو فراس بن سعيد بن حمدان، وأبو الهيثم بن حصن القاضي، وذلك في رجب منها. وفيها ابتدأ معز الدولة بن بويه في بناء مارستان وأرصد له أوقافا جزيلة. وفيها قطعت بنو سليم السابلة على الحجيج من أهل الشام ومصر والمغرب، وأخذوا منهم