حتى استقرت الخلافة في العراق كله، ليس للملوك معهم حكم بالكلية ولله الحمد. وكان يعقد في داره للعلماء مجلسا للمناظرة يبحثون فيه ويناظرون عنده، يستفيد منهم ويستفيدون منه، فاتفق يوما أنه كلم رجلا من الفقهاء كلمة فيها بشاعة قال له: يا حمار، ثم ندم فقال: أريد أن تقول لي كما قلت لك، فامتنع ذلك الرجل، فصالحه على مائتي دينار. مات فجأة، ويقال إنه سمه طبيب فسم ذلك الطبيب بعد ستة أشهر، وكان الطبيب يقول سممته فسممت. مات يوم الأحد الثاني عشر من جمادى الأولى من هذه السنة، عن إحدى وستين سنة، وغسله ابن الجوزي، وحضر جنازته خلق كثير وجم غفير جدا، وغلقت الأسواق، وتباكى الناس عليه، ودفن بالمدرسة التي أنشأها بباب البصرة ﵀. وقد رثاه الشعراء بمراثي كثيرة.
[ثم دخلت سنة إحدى وستين وخمسمائة]
فيها فتح نور الدين محمود حصن المنيطرة [من الشام] وقتل عنده خلق كثير من الفرنج، وغنم أموالا جزيلة. وفيها هرب عز الدين بن الوزير ابن هبيرة من السجن، ومعه مملوك تركي، فنودي عليه في البلد من رده فله مائة دينار، ومن وجد عنده هدمت داره وصلب على بابها، وذبحت أولاده بين يديه، فدلهم رجل من الأعراب عليه فأخذ من بستان فضرب ضربا شديدا وأعيد إلى السجن وضيق عليه. وفيها أظهر الروافض سب الصحابة وتظاهروا بأشياء منكرة، ولم يكونوا يتمكنون منها في هذه الأعصار المتقدمة، خوفا من ابن هبيرة، ووقع بين العوام كلام فيما يتعلق بخلق القرآن.
وحج بالناس برغش.
[وممن توفى فيها من الأعيان]
[الحسن بن العباس]
ابن أبى الطيب بن رستم، أبو عبد الله الأصبهاني، كان من كبار الصالحين البكاءين، قال:
حضرت يوما مجلس ما شاده وهو يتكلم على الناس فرأيت رب العزة في هذه الليلة وهو يقول لي:
وقفت على مبتدع وسمعت كلامه؟ لأحرمنك منك النظر في الدنيا، فأصبح لا يبصر وعيناه مفتوحتان كأنه بصير
[عبد العزيز بن الحسن]
ابن الحباب الأغلبي السعدي القاضي، أبو المعالي البصري، المعروف بابن الجليس، لأنه كان يجالس صاحب مصر، وقد ذكره العماد في الجريدة، وقال: كان له فضل مشهور وشعر مأثور فمن ذلك قوله: