ويودعك، فقالت: ائذن له إن شئت، قال فأدخلته، فلما جلس قال: أبشرى فقالت: بماذا؟ فقال: ما بينك وبين أن تلقى محمدا والأحبة إلا أن تخرج الروح من الجسد، وكنت أحب نساء رسول الله ﷺ إليه، ولم يكن رسول الله ﷺ يحب إلا طيبا، وسقطت قلادتك ليلة الأبواء فأصبح رسول الله ﷺ وأصبح الناس وليس معهم ماء، فأنزل الله آية التيمم، فكان ذلك في سببك، وما أنزل الله من الرخصة لهذه الأمة، وأنزل الله براءتك من فوق سبع سماوات، جاء بها الروح الأمين، فأصبح ليس مسجد من مساجد الله إلا يتلى فيه آناء الليل وآناء النهار، فقالت:
دعني منك يا ابن عباس، والّذي نفسي بيده لوددت أنى كنت نسيا منسيا. والأحاديث في فضائلها ومناقبها كثيرة جدا. وقد كانت وفاتها في هذا العام سنة ثمان وخمسين، وقيل قبله بسنة، وقيل بعده بسنة، والمشهور في رمضان منه وقيل في شوال، والأشهر ليلة الثلاثاء السابع عشر من رمضان، وأوصت أن تدفن بالبقيع ليلا، وصلّى عليها أبو هريرة بعد صلاة الوتر، ونزل في قبرها خمسة، وهم عبد الله وعروة ابنا الزبير بن العوام، من أختها أسماء بنت أبى بكر، والقاسم وعبد الله ابنا أخيها محمد بن أبى بكر، وعبد الله بن عبد الرحمن بن أبى بكر، وكان عمرها يومئذ سبعا وستين سنة، لانه توفى رسول الله ﷺ وعمرها ثمان عشرة سنة، وكان عمرها عام الهجرة ثمان سنين أو تسع سنين، فالله أعلم ورضى الله تعالى عن أبيها وعن الصحابة أجمعين.
[ثم دخلت سنة تسع وخمسين]
فيها شتى عمرو بن مرة الجهنيّ في أرض الروم في البر، قاله الواقدي، ولم يكن فيها غزو في البحر، وقال غيره: بل غزا في البحر عامئذ جنادة بن أبى أمية. وفيها عزل معاوية ابن أم الحكم عن الكوفة لسوء سيرته فيهم، وولى عليهم النعمان بن بشير. وفيها ولى معاوية عبد الرحمن بن زياد ولاية خراسان وعزل عنها سعيد بن عثمان بن عفان، فصار عبيد الله على البصرة، وأخوه عبد الرحمن هذا على خراسان، وعباد بن زياد على سجستان، ولم يزل عبد الرحمن عليها واليا إلى زمن يزيد، فقدم عليه بعد مقتل الحسين فقال له: كم قدمت به من هذا المال؟ قال: عشرون ألف ألف، فقال له: إن شئت حاسبناك، وإن شئت سوغناكها وعزلناك عنها، على أن تعطى عبد الله بن جعفر خمسمائة ألف درهم، قال: بل سوغها، وأما عبد الله بن جعفر فأعطيه ما قلت ومثلها معها، فعزله وولى غيره، وبعث عبد الرحمن بن زياد إلى عبد الله بن جعفر بألف ألف درهم، وقال: خمسمائة ألف من جهة أمير المؤمنين، وخمسمائة ألف من قبلي. وفي هذه السنة وفد عبيد الله بن زياد على معاوية ومعه أشراف أهل البصرة والعراق، فاستأذن لهم عبد الله عليه على منازلهم منه، وكان آخر من أدخله على معاوية الأحنف بن قيس، - ولم يكن عبيد الله يجله - فلما رأى معاوية الأحنف رحّب به