للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

«هُوَ مَسْجِدِي هَذَا» وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرٍ الْأَسْلَمِيُّ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ أَبِي أَنَسٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الْمَسْجِدُ الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مَسْجِدِي هَذَا» فَهَذِهِ طُرُقٌ مُتَعَدِّدَةٌ لَعَلَّهَا تَقْرُبُ مِنْ إِفَادَةِ الْقَطْعِ بِأَنَّهُ مَسْجِدُ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ عُمَرُ وَابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ جَرِيرٍ. وَقَالَ آخَرُونَ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ نُزُولِ الْآيَةِ فِي مَسْجِدِ قُبَاءَ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ، وَبَيْنَ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ. لِأَنَّ هَذَا الْمَسْجِدَ أَوْلَى بِهَذِهِ الصِّفَةِ، مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّ هَذَا أَحَدُ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ التِي تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَيْهَا كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ. قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ، مَسْجِدِي هَذَا وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَمَسْجِدِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ» وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ «لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ» وَذَكَرَهَا. وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ إِلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ» وَفِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ زِيَادَةٌ حَسَنَةٌ وَهِيَ قَوْلُهُ «فَإِنَّ ذَلِكَ أَفْضَلُ» وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ يَحْيَى القطان عن حبيب عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مَا بَيْنَ بَيْتِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ، وَمِنْبَرِي عَلَى حَوْضِي» وَالْأَحَادِيثُ فِي فَضَائِلِ هَذَا الْمَسْجِدِ الشَّرِيفِ كَثِيرَةٌ جِدًّا وَسَنُورِدُهَا فِي كِتَابِ الْمَنَاسِكِ مِنْ كِتَابِ الْأَحْكَامِ الْكَبِيرِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَبِهِ الثِّقَةُ وَعَلَيْهِ التُّكْلَانُ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا باللَّه الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ.

وَقَدْ ذَهَبَ الْإِمَامُ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ إِلَى أَنَّ مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ أَفْضَلُ مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ لِأَنَّ ذَاكَ بَنَاهُ إِبْرَاهِيمُ، وَهَذَا بَنَاهُ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْضَلُ مِنْ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ. وَقَدْ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى خِلَافِ ذَلِكَ وَقَرَّرُوا أَنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ أَفْضَلُ لِأَنَّهُ في بلد حرمه الله يوم خلق السموات وَالْأَرْضِ، وَحَرَّمَهُ إِبْرَاهِيمُ الْخَلِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَمُحَمَّدٌ خَاتَمُ الْمُرْسَلِينَ: فَاجْتَمَعَ فِيهِ مِنَ الصِّفَاتِ مَا ليس في غيره، وبسط هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَوْضِعٌ آخَرُ وباللَّه الْمُسْتَعَانُ.

فَصْلٌ

وَبُنِيَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَوْلَ مَسْجِدِهِ الشَّرِيفِ حُجَرٌ لِتَكُونَ مَسَاكِنَ لَهُ وَلِأَهْلِهِ وَكَانَتْ مَسَاكِنَ قَصِيرَةَ الْبِنَاءِ قَرِيبَةَ الْفِنَاءِ قَالَ الْحَسَنُ بْنُ أَبِي الْحَسَنِ الْبَصْرِيُّ- وَكَانَ غُلَامًا مَعَ أُمِّهِ خَيْرَةَ مُوْلَاةِ أُمِّ سَلَمَةَ- لَقَدْ كُنْتُ أَنَالُ أَطْوَلَ سَقْفٍ فِي حُجَرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِي. قُلْتُ: إِلَّا أَنَّهُ قَدْ كَانَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ شَكِلًا ضَخْمًا طُوَالًا رَحِمَهُ اللَّهُ.

وَقَالَ السُّهَيْلِيُّ فِي الروض: كانت مساكنه عليه السلام مَبْنِيَّةً مِنْ جَرِيدٍ عَلَيْهِ طِينٌ بَعْضُهَا مِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>