واتفق موت ابن ملك الألمان لعنه الله في ثانى ذي الحجة، وجماعة من كبراء الكندهرية، وسادات الفرنج لعنهم الله، فحزن الفرنج على ابن ملك الألمان وأوقدوا نارا عظيمة في كل خيمة، وصار كل يوم يهلك من الفرنج المائة والمائتان، واستأمن السلطان جماعة منهم من شدة ما هم فيه من الجوع والضيق والحصر، وأسلم خلق كثير منهم. وفيها قدم القاضي الفاضل من مصر على السلطان، وكان قد طال شوق كل منهما إلى صاحبه، فأفضى كل منهما إلى صاحبه ما كان يسره ويكتمه من الآراء التي فيها مصالح المسلمين.
[وفيها توفى من الأعيان.]
[ملك الألمان]
وقد تقدم أنه قدم في ثلاثمائة ألف مقاتل، فهلكوا في الطرقات، فلم يصل إلى الفرنج إلا في خمسة آلاف وقيل في ألفى مقاتل، وكان قد عزم على دمار الإسلام، واستنقاذ البلاد بكمالها من أيدي المسلمين، انتصارا في زعمه إلى بيت المقدس، فأهلكه الله بالغرق كما أهلك فرعون، ثم ملك بعده ولده الأصغر فأقبل بمن بقي معه من الجيش إلى الفرنج، وهم في حصار عكا، ثم مات في هذه السنة فلله الحمد والمنة.
[محمد بن محمد بن عبد الله]
أبو حامد قاضى القضاة بالموصل، كمال الدين الشهرزوريّ الشافعيّ، أثنى عليه العماد وأنشد له من شعره قوله:
قامت بإثبات الصفات أدلة … قصمت ظهور أئمة التعطيل
وطلائع التنزيه لما أقبلت … هزمت ذوى التشبيه والتمثيل
فالحق ما صرنا إليه جميعنا … بأدلة الأخبار والتنزيل
من لم يكن بالشرع مقتديا فقد … ألقاه فرط الجهل في التضليل
[ثم دخلت سنة سبع وثمانين وخمسمائة]
فيها قدم ملك الفرنسيس وملك انكلترا وغيرهما من ملوك البحر الفرنج، على أصحابهم الفرنج إلى عكا، وتمالئوا على أخذ عكا في هذه السنة كما سيأتي تفصيله، وقد استهلت هذه السنة والحصار الشديد على عكا من الجانبين، وقد استكمل دخول العدو إلى البلد والملك العادل مخيم إلى جانب البحر، ليتكامل دخولهم ودخول ميرتهم، وفي ليلة مستهل ربيع الأول منها خرج المسلمون من عكا فهجموا على مخيم الفرنج فقتلوا منهم خلقا كثيرا، وسبوا وغنموا شيئا كثيرا، سبوا اثنى عشرا مرأة، وانكسر مركب عظيم للفرنج فغرق ما فيه منهم وأسر باقيهم، وأغار صاحب حمص أسد الدين بن شير كوه على سرح الفرنج بأراضى طرابلس، فاستاق منهم شيئا كثيرا من الخيول والأبقار والأغنام، وظفر الترك بخلق كثير من الفرنج فقتلوهم، ولم يقتل من المسلمين سوى طواش