فنظر إليه الشيخ فقال له: ماذا تعانى من الأسباب؟ فقال رقاص عند الوالي، فقال له إن دابتنا لا تأكل الحرام، ودخل منزله فأعطاه دراهم ومعها دراهم كثيرة قد اختلطت بها فلا تميز، فاشترى الناس من الرقاص كل درهم بثلاثة لأجل البركة، وأخذ دابته، ولما توفى ترك من الأساس ما يساوى خمسين درهما فبيع بمبلغ عشرين ألفا.
[قال أبو شامة: وفي الرابع والعشرين من ربيع الآخر توفى محيي الدين عبد الله بن صفى الدين]
إبراهيم بن مرزوق بداره بدمشق المجاورة للمدرسة النورية رحمه الله تعالى. قلت داره هذه هي التي جعلت مدرسة للشافعية وقفها الأمير جمال الدين آقوش النجيبى التي يقال لها النجيبية تقبل الله منه. وبها إقامتنا جعلها الله دارا تعقبها دار القرار في الفوز العظيم. وقد كان أبو جمال الدين النجيبى وهو صفى الدين وزير الملك الأشرف، وملك من الذهب ستمائة ألف دينار خارجا عن الأملاك والأثاث والبضائع، وكانت وفاة أبيه بمصر سنة تسع وخمسين، ودفن بتربته عند المقطم. قال أبو شامة: وجاء الخبر من مصر بوفاة الفخر عثمان المصري المعروف بعين غين.
وفي ثامن عشر ذي الحجة توفى الشمس الوبّار الموصلي، وكان قد حصل شيئا من علم الأدب، وخطب بجامع المزة مدة. فأنشدنى لنفسه في الشيب وخضابه قوله:
وكنت وإياها مذ اختط عارضى … كروحين في جسم وما نقضت عهدا
فلما أتانى الشيب يقطع بيننا … توهمته سيفا فألبسته غمدا
وفيها استحضر الملك هولاكو خان الزين الحافظى وهو سليمان بن عامر العقربانى المعروف بالزين الحافظى، وقال له قد ثبت عندي خيانتك، وقد كان هذا المغتر لما قدم التتار مع هولاكو دمشق وغيرها مالأ على المسلمين وآذاهم ودل على عوراتهم، حتى سلطهم الله عليه بأنواع العقوبات والمثلات ﴿وَكَذلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظّالِمِينَ بَعْضاً﴾ ومن أعان ظالما سلط عليه، فان الله ينتقم من الظالم بالظالم ثم ينتقم من الظالمين جميعا، نسأل الله العافية من انتقامه وغضبه وعقابه وشر عباده.
[ثم دخلت سنة ثلاث وستين وستمائة]
فيها جهز السلطان الظاهر عسكرا جما كثيفا إلى ناحية الفرات لطرد التتار النازلين بالبيرة، فلما سمعوا بالعساكر قد أقبلت ولوا مدبرين، فطابت تلك الناحية وأمنت تلك المعاملة، وقد كانت قبل ذلك لا تسكن من كثرة الفساد والخوف، فعمرت وأمنت.
وفيها خرج الملك الظاهر في عساكره فقصد بلاد الساحل لقتال الفرنج ففتح قيسارية في ثلاث ساعات من يوم الخميس ثامن جمادى الأولى يوم نزوله عليها، وتسلم قلعتها في يوم الخميس الآخر خامس عشره فهدمها وانتقل إلى غيرها، ثم جاء الخبر بأنه فتح مدينة أرسوف وقتل من بها من