إلى العراق واحتاز بإربل سنة أربع وستمائة، فوجد ملكها المعظم مظفر الدين بن زين الدين يعتنى بالمولد النبوي، فعمل له كتاب التنوير في مولد السراج المنير وقرأه عليه بنفسه، فأجازه بألف دينار، قال وقد سمعناه على الملك المعظم في ستة مجالس في سنة ست وعشرين وستمائة. قلت وقد وقفت على هذا الكتاب وكتبت منه أشياء حسنة مفيدة. قال ابن خلكان: وكان مولده في سنة أربع وأربعين وخمسمائة، وقيل ست أو تسع وأربعين وخمسمائة، وتوفى في هذه السنة، وكان أخوه أبو عمرو عثمان قد باشر بعده دار الحديث الكاملية بمصر، وتوفى بعده بسنة. قلت: وقد تكلم الناس فيه بأنواع من الكلام، ونسبه بعضهم إلى وضع حديث في قصر صلاة المغرب، وكنت أود أن أقف على إسناده لنعلم كيف رجاله، وقد أجمع العلماء كما ذكره ابن المنذر وغيره على أن المغرب لا يقصر، والله ﷾ يتجاوز عنا وعنه بمنه وكرمه.
[ثم دخلت سنة أربع وثلاثين وستمائة]
فيها حاصرت التتار إربل بالمجانيق ونقبوا الأسوار حتى فتحوها عنوة فقتلوا أهلها وسبوا ذراريهم، وامتنعت عليهم القلعة مدة، وفيها النائب من جهة الخليفة، فدخل فصل الشتاء فأقلعوا عنها وانشمروا إلى بلادهم، وقيل إن الخليفة جهز لهم جيشا فانهزم التتار. وفيها استخدم الصالح أيوب بن الكامل صاحب حصن كيفا الخوارزمية الذين تبقوا من جيش جلال الدين وانفصلوا عن الرومي، فقوى جأش الصالح أيوب. وفيها طلب الأشرف موسى بن العادل من أخيه الكامل الرقة لتكون قوة له وعلفا لدوابه إذا جاز الفرات مع أخيه في البواكير، فقال الكامل: أما يكفيه أن معه دمشق مملكة بنى أمية؟ فأرسل الأشرف الأمير فلك الدين بن المسيري إلى الكامل في ذلك، فأغلظ له الجواب، وقال: أيش يعمل بالملك؟ يكفيه عشرته للمغانى وتعلمه لصناعتهم. فغضب الأشرف لذلك وبدت الوحشة بينهما، وأرسل الأشرف إلى حماه وحلب وبلاد الشرق فحالف أولئك الملوك على أخيه الكامل، فلو طال عمر الأشرف لأفسد الملك على أخيه، وذلك لكثرة ميل الملوك إليه لكرمه وشجاعته وشح أخيه الكامل، ولكنه أدركته منيته في أول السنة الداخلة رحمه الله تعالى.
[وممن توفى فيها من الأعيان]
[الملك العزيز الظاهر]
صاحب حلب محمد بن السلطان الملك الظاهر غياث الدين غازى بن الملك الناصر صلاح الدين فاتح القدس الشريف، وهو وأبوه وابنه الناصر أصحاب ملك حلب من أيام الناصر، وكانت أم العزيز الخاتون بنت الملك العادل أبى بكر بن أيوب، وكان حسن الصورة كريما عفيفا، توفى وله من العمر أربع وعشرون سنة، وكان مدبر دولته الطواشى شهاب الدين، وكان من الأمراء ﵀