وأحسن إليهم، ثم لما انعقدت الجماعة لعبد الملك بعد مقتل ابن الزبير، وفدوا عليه فكاد يقتلهم فتلطف بعضهم في العبارة حتى رق لهم رقة شديدة، فقال لهم عبد الملك: إن أباكم خيرنى بين أن يقتلني أو أقتله، فاخترت قتله على قتلى، وأما أنتم فما أرغبنى فيكم وأوصلني لقرابتكم وأرعانى لحقكم فأحسن جائزتهم وقربهم، وقد كان عبد الملك بعث إلى امرأة عمرو بن سعيد أن ابعثي إلى بكتاب الأمان الّذي كنت كتبته لعمرو، فقالت: إني دفنته معه ليحاكمك به يوم القيامة عند الله. وقد كان مروان بن الحكم وعد عمرو بن سعيد هذا أن يكون ولى العهد من بعد ولده عبد الملك، كلاما مجردا، فطمع في ذلك وقويت نفسه بسبب ذلك، وكان عبد الملك يبغضه بغضا شديدا من حال الصغر، ثم كان هذا صنيعه إليه في الكبر. قال ابن جرير: وذكر أن خالد بن يزيد بن معاوية قال لعبد الملك ذات يوم: عجب منك ومن عمرو بن سعيد كيف أصبت غرته حتى قتلته؟ فقال: -
وأدنيته منى ليسكن روعه … فأصول صولة حازم مستمكن
غضبا ومحمية لديني إنه … ليس المسيء سبيله كالمحسن
قال خليفة بن خياط: وهذا الشعر للضبى بن أبى رافع تمثل به عبد الملك. وروى ابن دريد عن أبى حاتم عن الشعبي أن عبد الملك قال: لقد كان عمرو بن سعيد أحب إلى من دم النواظر، ولكن والله لا يجتمع فحلان في الإبل إلا أخرج أحدهما الآخر، وإنا لكما قال أخو بنى يربوع: -
أجازى من جزانى الخير خيرا … وجازى الخير يجزى بالنوال
وأجزى من جزانى الشر شرا … كما تحذا النعال على النعال
قال خليفة بن خياط: وأنشد أبو اليقظان لعبد الملك في قتله عمرو بن سعيد
صحّت ولا تشلل وضرت عدوها … يمين أراقت مهجة ابن سعيد
[وجدت ابن مروان ولا نبل عنده … شديد ضرير الناس غر بليد
هو ابن أبى العاصي لمروان ينتهى … إلى أسرة طابت له وجدود] (١)
وكان الواقدي يقول: أما حصار عبد الملك لعمرو بن سعيد الأشدق فكان في سنة تسع وستين، رجع إليه من بطنان فحاصره بدمشق ثم كان قتله في سنة سبعين والله أعلم.
[وهذه ترجمة الأشدق]
هو عمرو بن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس، أبو أمية القرشي الأموي، المعروف بالأشدق،
يقال إنه رأى النبي ﷺ وروى عنه أنه قال: «ما نحل والد ولدا أحسن من أدب حسن» وحديثا آخر في العتق، وروى عن عمر وعثمان وعلى وعائشة، وحدث عنه بنوه أمية وسعيد
(١) سقط من نسخة طوب قبو بالأستانة