سهل الوشاء وغيرهما، روى عَنْهُ جَمَاعَةٌ، وَآخِرُ مَنْ حَدَّثَ عَنْهُ أَبُو عَلِيِّ بْنُ شَاذَانَ وَكَانَ كَثِيرَ الْعِلْمِ وَالزُّهْدِ حافظا مطيقا يُمْلِي مِنْ حِفْظِهِ شَيْئًا كَثِيرًا، ضَابِطًا لِمَا يحفظه. ولكثرة إغرابه اتهمه بعض الرواة وَرَمَاهُ بِالْكَذِبِ، وَقَدِ اتَّفَقَ لَهُ مَعَ الْقَاضِي أبى عمر حكاية- وكان يؤدب ولده- فإنه أَمْلَى مِنْ حِفْظِهِ ثَلَاثِينَ مَسْأَلَةً بِشَوَاهِدِهَا وَأَدِلَّتِهَا مِنْ لُغَةِ الْعَرَبِ، وَاسْتُشْهِدَ عَلَى بَعْضِهَا بِبَيْتَيْنِ غريبين جدا، فعرضهما الْقَاضِي أَبُو عُمَرَ عَلَى ابْنِ دُرَيْدٍ وَابْنِ الأنباري وابن مقسم، فلم يعرفوا منهما شَيْئًا. حَتَّى قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ:
هَذَا مَا وضعه أبو عمرو من عنده، فلما جاء أبو عمرو ذكر له القاضي ما قال ابن دريد عنه، فطلب أبو عمرو أَنْ يُحْضِرَ لَهُ مِنْ كُتُبِهِ دَوَاوِينَ الْعَرَبِ. فلم يزل أبو عمرو يعمد إلى كل مسألة ويأتيه بشاهد بَعْدَ شَاهِدٍ حَتَّى خَرَجَ مِنَ الثَّلَاثِينَ مَسْأَلَةٍ ثُمَّ قَالَ: وَأَمَّا الْبَيْتَانِ فَإِنَّ ثَعْلَبًا أَنْشَدَنَاهُمَا وأنت حاضر فكتبتهما في دفترك الفلاني، فَطَلَبَ الْقَاضِي دَفْتَرَهُ فَإِذَا هُمَا فِيهِ، فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ ابْنَ دُرَيْدٍ كَفَّ لِسَانَهُ عَنْ أبى عمرو الزاهد فلم يذكره حتى مات. توفى أبو عمر وهذا يَوْمَ الْأَحَدِ وَدُفِنَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ الثَّالِثَ عَشَرَ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ، وَدُفِنَ فِي الصُّفَّةِ الْمُقَابِلَةِ لِقَبْرِ مَعْرُوفٍ الْكَرْخِيِّ بِبَغْدَادَ رَحِمَهُ اللَّهُ.