روى البيهقي من حديث الحافظ أبى يعلى الموصلي: ثنا شيبان، ثنا سعيد بن سليمان الضبعي، ثنا أنس بن مالك أن رسول الله ﷺ جهز جيشا إلى المشركين فيهم أبو بكر فقال لهم: جدوا السير فان بينكم وبين المشركين ماء إن يسبق المشركون إلى ذلك الماء شق على الناس وعطشتم عطشا شديدا أنتم ودوابكم، قال: وتخلف رسول الله ﷺ في ثمانية أنا تاسعهم، وقال لأصحابه: هل لكم أن نعرس قليلا ثم نلحق بالناس؟ قالوا: نعم يا رسول الله، فعرسوا فما أيقظهم إلا حر الشمس، فاستيقظ رسول الله ﷺ واستيقظ أصحابه، فقال لهم: تقدموا واقضوا حاجاتكم، ففعلوا ثم رجعوا إلى رسول الله ﷺ، فقال لهم: هل مع أحد منكم ماء؟ قال رجل منهم: يا رسول الله معى ميضأة فيها شيء من ماء، قال: فجئ بها: فجاء بها فأخذها نبي الله ﷺ فمسحها بكفيه ودعا بالبركة فيها وقال لأصحابه:
تعالوا فتوضئوا، فجاءوا وجعل يصب عليهم رسول الله ﷺ حتى توضئوا كلهم، فأذن رجل منهم وأقام فصلى رسول الله ﷺ لهم وقال لصاحب الميضأة ازدهر بميضأتك ازدهر بميضأتك فسيكون لها شأن، وركب رسول الله ﷺ قبل الناس وقال لأصحابه: ما ترون الناس فعلوا؟ فقالوا: الله ورسوله أعلم. فقال لهم: فيهم أبو بكر وعمرو سيرشد الناس، فقدم الناس وقد سبق المشركون إلى ذلك الماء فشق ذلك على الناس وعطشوا عطشا شديدا ركابهم ودوابهم، فقال رسول الله ﷺ: أين صاحب الميضأة؟ قالوا: هو هذا يا رسول الله، قال جئني بميضأتك، فجاء بها وفيها شيء من ماء، فقال لهم: تعالوا فاشربوا، فجعل يصب لهم رسول الله ﷺ حتى شرب الناس كلهم وسقوا دوابهم وركابهم وملئوا ما كان معهم من إداوة وقربة ومزادة، ثم نهض رسول الله ﷺ وأصحابه إلى المشركين، فبعث الله ريحا فضرب وجوه المشركين وأنزل الله نصره وأمكن من ديارهم فقتلوا مقتلة عظيمة، وأسروا أسارى كثيرة، واستاقوا غنائم كثيرة، ورجع رسول الله ﷺ والناس وافرين صالحين * وقد تقدم قريبا عن جابر ما يشبه هذا وهو في صحيح مسلم *
وقدمنا في غزوة تبوك ما رواه مسلم من طريق مالك عن أبى الزبير عن أبى الطفيل عن معاذ بن جبل. فذكر حديث جمع الصلاة في غزوة تبوك إلى أن قال: وقال - يعنى رسول الله ﷺ: إنكم ستأتون غدا إن شاء الله عين تبوك، وإنكم لن تأتوها حتى يضحى ضحى النهار، فمن جاءها فلا يمس من مائها شيئا حتى آتى، قال: فجئناها وقد سبق إليها رجلان والعين مثل الشراك تبض بشيء، فسألهما رسول الله ﷺ: هل مسستما من مائها شيئا؟ قالا:
نعم، فسبهما وقال لهما: ما شاء الله أن يقول ثم غرفوا من العين قليلا قليلا حتى اجتمع في شيء، ثم غسل رسول الله ﷺ وجهه ويديه ثم أعاده فيها فجرت العين بماء كثير، فاستقى الناس ثم قال رسول الله ﷺ: يا معاذ يوشك إن طالت بك حياة أن ترى ما هاهنا قد مليء جنانا * وذكرنا في باب الوفود