للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من حلوان خندق طاهر على جيشه خندقا وجعل يعمل الحيلة في إيقاع الفتنة بين الأميرين، فاختلفا فرجعا ولم يقاتلاه، ودخل طاهر إلى حلوان وجاءه كتاب المأمون بتسليم ما تحت يده إلى هرثمة بن أعين، وأن يتوجه هو إلى الأهواز. ففعل ذلك. وفيها رفع المأمون وزيره الفضل بن سهل وولاه أعمالا كبارا وسماه ذا الرئاستين. وفيها ولى الأمين نيابة الشام لعبد الملك بن صالح بن على - وقد كان أخرجه من سجن الرشيد - وأمره أن يبعث له رجالا وجنودا لقتال طاهر وهرثمة، فلما وصل إلى الرقة أقام بها وكتب إلى رؤساء الشام يتألفهم ويدعوهم إلى الطاعة، فقدم عليه منهم خلق كثير، ثم وقعت حروب كان مبدؤها من أهل حمص، وتفاقم الأمر وطال القتال بين الناس، ومات عبد الملك ابن صالح هنالك فرجع الجيش إلى بغداد صحبة الحسين بن على بن ماهان، فتلقاه أهل بغداد بالإكرام، وذلك في شهر رجب من هذه السنة. فلما وصل جاء رسول الأمين يطلبه فقال: والله ما أنا بمسامر ولا مضحك، ولا وليت له عملا ولا جبى على يدي مالا، فلماذا يطلبني في هذه الليلة؟.

[ذكر سبب خلع محمد بن زبيدة الأمين]

(وكيف أفضت الخلافة إلى أخيه عبد الله المأمون) لما أصبح الحسين بن على بن ماهان ولم يذهب إلى الأمين لما طلبه، وذلك بعد مقدمة بالجيش من الشام، قام في الناس خطيبا وألبّهم على الأمين، وذكر لعبة وما يتعاطاه من اللهو وغير ذلك من المعاصي، وأنه لا تصلح الخلافة لمن هذا حاله، وأنه يريد أن يوقع البأس بين الناس، ثم حثهم على القيام عليه والنهوض إليه، وندبهم لذلك، فالتف عليه خلق كثير وجم غفير، وبعث محمد الأمين إليه خيلا فاقتتلوا مليا من النهار، فأمر الحسين أصحابه بالترجل إلى الأرض وأن يقاتلوا بالسيف والرماح، فانهزم جيش الأمين وخلعه وأخذ البيعة لعبد الله المأمون، وذلك يوم الأحد الحادي عشر من شهر رجب من هذه السنة، ولما كان يوم الثلاثاء نقل الأمين من قصره إلى قصر أبى جعفر وسط بغداد، وضيق عليه وقيده واضطهده، وأمر العباس بن عيسى بن موسى أمه زبيدة أن تنتقل إلى هناك فامتنعت فضربها بالسوط وقهرها على الانتقال فانتقلت مع أولادها، فلما أصبح الناس يوم الأربعاء طلبوا من الحسين بن على أعطياتهم واختلفوا عليه وصار أهل بغداد فرقتين، فرقة مع الأمين وفرقة عليه، فاقتتلوا قتالا شديدا فغلب حرب الخليفة أولئك، وأسروا الحسين بن على ابن عيسى بن ماهان وقيدوه ودخلوا به على الخليفة ففكوا عنه قيوده وأجلسوه على سريره، فعند ذلك أمر الخليفة من لم يكن معه سلاح من العامة أن يعطى سلاحا من الخزائن، فانتهب الناس الخزائن التي فيها السلاح بسبب ذلك، وأمر الأمين فأتى بالحسين بن على بن عيسى فلامه على ما صدر منه فاعتذر إليه بأن عفو الخليفة حمله على ذلك. فعفا عنه وخلع عليه واستوزره وأعطاه

<<  <  ج: ص:  >  >>