وهما طرفة وطراف ابنا عبد الله بن دجاجة من بنى حنيفة، فقتلاه بمكان الزياتين من الكوفة، واحتزا رأسه وأتيا به إلى مصعب بن الزبير، وقد دخل قصر الامارة، فوضع بين يديه، كما وضع رأس ابن زياد بنى يدي المختار، وكما وضع رأس الحسين بين يدي ابن زياد، وكما سيوضع رأس مصعب بين يدي عبد الملك بن مروان، فلما وضع رأس المختار بين يدي مصعب أمر لهما بثلاثين ألفا.
وقد قتل مصعب جماعة من المختارية، وأسر منهم خمسمائة أسير، فضرب أعناقهم عن آخرهم في يوم واحد، وقد قتل من أصحاب مصعب في الوقعة محمد بن الأشعث بن قيس، وأمر مصعب بكف المختار فقطعت وسمرت إلى جانب المسجد، فلم يزل لك حتى قدم الحجاج، فسأل عنها فقيل له هي كف المختار، فأمر بها فرفعت وانتزعت من لك، لأن المختار كان من قبيلة الحجاج. والمختار هو الكذاب، والمبير الحجاج، ولهذا أخذ الحجاج بثأره من ابن الزبير فقتله وصلبه شهورا، وقد سأل مصعب أم ثابت بنت سمرة بن جندب امرأة المختار عنه فقالت: ما عسى أن أقول فيه إلا ما تقولون أنتم فيه، فتركها واستدعى بزوجته الأخرى وهي عمرة بنت النعمان بن بشير فقال لها:
ما تقولين فيه؟ فقالت:﵀ لقد كان عبداً من عباد الله الصالحين، فسجنها وكتب إلى أخيه إنها تقول إنه نبيّ فكتب إليه أن أخرجها فاقتلها، فأخرجها إلى ظاهر البلد فضربت ضربات حتى ماتت، فقال في ذلك عمر بن أبى رمثة المخزومي: -
إن من أعجب العجائب عندي … قتل بيضاء حرة عطبول
قتلت هكذا على غير جرم … إن لله درها من قتيل
كتب القتل والقتال علينا … وعلى الغانيات جر الذيول
وقال أبو مخنف: حدثني محمد بن يوسف أن مصعبا لقي عبد الله بن عمر بن الخطاب فسلم عليه فقال ابن عمر: من أنت؟ فقال: أنا ابن أخيك مصعب بن الزبير، فقال له ابن عمر: نعم، أنت القاتل سبعة آلاف من أهل القبلة في غداة واحدة؟ عش ما استطعت، فقال له مصعب: إنهم كانوا كفرة سحرة، فقال ابن عمر: والله لو قتلت عدلهم غنما من تراث أبيك لكان ذلك سرفا.
[وهذه ترجمة المختار بن أبى عبيد الكذاب]
هو المختار بن أبى عبيد بن مسعود بن عمرو بن عمير بن عوف بن عفرة بن عميرة بن عوف بن ثقيف الثقفي، أسلم أبوه في حياة النبي ﷺ، ولم يره، فلهذا لم يذكره أكثر الناس في الصحابة، وإنما ذكره ابن الأثير في الغابة، وقد كان عمر بعثه في جيش كثيف في قتال الفرس سنة ثلاث عشرة، فقتل يومئذ شهيدا وقتل معه نحو من أربعة آلاف من المسلمين، كما قدمنا، وعرف ذلك الجسر به، وهو جسر على دجلة فيقال له إلى اليوم جسر أبي عبيد، وكان له من الولد صفية بنت أبى