فمن ثم عظمت النصارى الصليب ومن هاهنا دخل دين النصرانية في الروم وفي هذا نظر من وجوه.
أحدها ان يحيى بن زكريا نبي لا يقر على أن المصلوب عيسى فإنه معصوم يعلم ما وقع على جهة الحق.
الثاني أن الروم لم يدخلوا في دين المسيح إلا بعد ثلاثمائة سنة وذلك في زمان قسطنطين بن قسطن باني المدينة المنسوبة اليه على ما سنذكره. الثالث أن اليهود لما صلبوا ذلك الرجل ثم القوه بخشبته جعلوا مكانه مطرحا للقمامة والنجاسة وجيف الميتات والقاذورات فلم يزل كذلك حتى كان في زمان قسطنطين المذكور فعمدت أمه هيلانة الحرانية الفندقانية فاستخرجته من هنالك معتقدة أنه المسيح ووجدوا الخشبة التي صلب عليها المصلوب فذكروا أنه ما مسها ذو عاهة الا عوفي فالله أعلم أكان هذا أم لا وهل كان هذا لان ذلك الرجل الّذي بذل نفسه كان رجلا صالحا أو كان هذا محنة وفتنة لأمة النصارى في ذلك اليوم حتى عظموا تلك الخشبة وغشوها بالذهب واللآلئ ومن ثم اتخذوا الصلبانات وتبركوا بشكلها وقبلوها. وأمرت أم الملك هيلانة فازيلت تلك القمامة وبنى مكانها كنيسة هائلة مزخرفة بأنواع الزينة فهي هذه المشهورة اليوم ببلد بيت المقدس التي يقال لها القمامة باعتبار ما كان عندها ويسمونها القيامة يعنون التي يقوم جسد المسيح منها. ثم أمرت هيلانة بأن توضع قمامة البلد وكناسته وقاذوراته على الصخرة التي هي قبلة اليهود فلم يزل كذلك حتى فتح عمر بن الخطاب بيت المقدس فكنس عنها القمامة بردائه وطهرها من الأخباث والأنجاس ولم يضع المسجد وراءها ولكن أمامها حيث صلى رسول الله ﷺ ليلة الاسراء بالأنبياء وهو الأقصى.
[ذكر صفة عيسى ﵇ وشمائله وفضائله]
قال الله تعالى ﴿مَا الْمَسِيحُ اِبْنُ مَرْيَمَ إِلاّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ﴾ قيل سمى المسيح لمسحه الأرض وهو سياحته فيها وفراره بدينه من الفتن في ذلك الزمان لشدة تكذيب اليهود له وافترائهم عليه وعلى أمه ﵉. وقيل لانه كان ممسوح القدمين. وقال تعالى ﴿ثُمَّ قَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ بِرُسُلِنا وَقَفَّيْنا بِعِيسَى اِبْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ﴾ فيه هدى ونور وقال تعالى ﴿وَآتَيْنا عِيسَى اِبْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ﴾ والآيات في ذلك كثيرة جدا وقد تقدم ما ثبت في الصحيحين (ما من مولود إلا والشيطان يطعن في خاصرته حين يولد فيستهل صارخا إلا مريم وابنها ذهب يطعن فطعن في الحجاب) وتقدم
حديث عمير بن هانئ عن جنادة عن عبادة عن رسول الله ﷺ أنه قال (من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته التي ألقاها الى مريم وروح منه والجنة حق والنار حق أدخله الله الجنة على ما كان من العمل) رواه البخاري (وهذا لفظه ومسلم)