في تأليب الملأ من قريش على رسول الله ﷺ وأصحابه واجتماعهم بعمه أبى طالب القائم في منعه ونصرته وحرصهم عليه أن يسلمه اليهم فأبى عليهم ذلك بحول الله وقوته.
قال الامام احمد حدثنا وكيع عن حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس. قال قال رسول الله ﷺ:«لقد أوذيت في الله وما يؤذى أحد، وأخفت في الله وما يخاف أحد ولقد أتت على ثلاثون من بين يوم وليلة وما لي ولبلال ما يأكله ذو كبد إلا ما يوارى إبط بلال». وأخرجه الترمذي وابن ماجة من حديث حماد بن سلمة به وقال الترمذي حسن صحيح. وقال محمد بن إسحاق: وحدب على رسول الله ﷺ عمه أبو طالب ومنعه وقام دونه، ومضى رسول الله ﷺ على أمر الله مظهرا لدينه لا يرده عنه شيء، فلما رأت قريش أن رسول الله ﷺ لا يعتبهم من شيء أنكروه عليه من فراقهم وعيب آلهتهم، ورأوا أن عمه أبو طالب قد حدب عليه وقام دونه فلم يسلمه لهم، مشى رجال من أشراف قريش إلى أبى طالب، عتبة وشيبة ابنا ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي، وأبو سفيان صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس، وأبو البختري - واسمه العاص بن هشام بن الحارث بن أسد بن عبد العزى بن قصي، والأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزى، وأبو جهل - واسمه عمرو بن هشام بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، والوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب بن لؤيّ، ونبيه ومنبه، ابنا الحجاج بن عامر بن حذيفة ابن سعيد بن سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤيّ، والعاص بن وائل بن سعيد بن سهم.
قال ابن إسحاق أو من مشى منهم فقالوا: يا أبا طالب إن ابن أخيك قد سب آلهتنا، وعاب ديننا وسفه أحلامنا، وضلل آباءنا، فاما أن تكفه عنا وأما أن تخلى بيننا وبينه فإنك على مثل ما نحن عليه من خلافه فنكفيكه؟ فقال لهم أبو طالب: قولا رفيقا، وردهم ردا جميلا فانصرفوا عنه ومضى رسول الله ﷺ على ما هو عليه، يظهر دين الله ويدعو اليه، ثم سرى الأمر بينهم وبينه حتى تباعد الرجال وتضاغنوا. وأكثرت قريش ذكر رسول الله ﷺ بينها فتذامروا فيه وحض بعضهم بعضا عليه، ثم أنهم مشوا الى أبى طالب مرة أخرى. فقالوا: يا أبا طالب ان لك سنا وشرفا ومنزلة فينا وإنا قد استنهيناك من ابن أخيك فلم تنهه عنا، وانا والله لا نصبر على هذا من شتم آبائنا، وتسفيه أحلامنا، وعيب آلهتنا حتى تكفه عنا أو ننازله وإياك في ذلك حتى يهلك أحد الفريقين - أو كما قالوا - ثم انصرفوا عنه فعظم على أبى طالب فراق قومه وعداوتهم ولم يطب نفسا بإسلام رسول الله ﷺ ولا خذلانه.