العزيز للظاهر غَازِيٍّ صَاحِبُ حَلَبَ، وَهُوَ وَالِدُ الْمَلِكِ النَّاصِرِ صاحب دمشق واقف الناصريتين داخل دمشق، إحداهما داخل باب الفراديس، والأخرى بالسفح ذات الحائط الهائل والعمارة المتينة، التي قيل إنه لا يوجد مثلها إلا قليلا، وهو الّذي أسره التتار الذين مع هلاكو ملك التتار. وفيها قدم بالفيل من مصر فَحَمَلَ هَدِيَّةً إِلَى صَاحِبِ الْكُرْجِ فَتَعَجَّبَ النَّاسُ منه جدا، ومن بديع خلقه. وَفِيهَا قَدِمَ الْمَلِكُ الظَّافِرُ خَضِرُ بْنُ السُّلْطَانِ صَلَاحِ الدِّينِ مِنْ حَلَبَ قَاصِدًا الْحَجَّ، فَتَلَقَّاهُ الناس وأكرمه ابن عمه المعظم، فَلَمَّا لَمْ يَبْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ إِلَّا مَرَاحِلُ يَسِيرَةٌ تَلَقَّتْهُ حَاشِيَةُ الْكَامِلِ صَاحِبِ مِصْرَ وصدوه عن دخول مَكَّةَ، وَقَالُوا إِنَّمَا جِئْتَ لِأَخْذِ الْيَمَنِ، فَقَالَ لَهُمْ قَيِّدُونِي وَذَرُونِي أَقَضِي الْمَنَاسِكَ، فَقَالُوا: لَيْسَ مَعَنَا مَرْسُومٌ وَإِنَّمَا أُمِرْنَا بِرَدِّكَ وَصَدِّكَ، فَهَمَّ طَائِفَةٌ مِنَ النَّاسِ بِقِتَالِهِمْ فَخَافَ مِنْ وُقُوعِ فِتْنَةٍ فَتَحَلَّلَ مِنْ حَجِّهِ وَرَجَعَ إِلَى الشَّامِ، وَتَأَسَّفَ النَّاسُ عَلَى مَا فُعِلَ بِهِ وَتَبَاكَوْا لَمَّا وَدَّعَهُمْ، تَقَبَّلَ اللَّهُ مِنْهُ. وَفِيهَا وَصَلَ كِتَابٌ مِنْ بَعْضِ فُقَهَاءِ الْحَنَفِيَّةِ بِخُرَاسَانَ إِلَى الشيخ تاج الدين أبو اليمن الكندي يخبر به أَنَّ السُّلْطَانَ خُوَارَزْمَ شَاهْ مُحَمَّدَ بْنَ تِكِشٍ تنكر في ثلاثة نفر من أصحابه، وَدَخَلَ بِلَادَ التَّتَرِ لِيَكْشِفَ أَخْبَارَهُمْ بِنَفْسِهِ، فَأَنْكَرُوهُمْ فَقَبَضُوا عَلَيْهِمْ فَضَرَبُوا مِنْهُمُ اثْنَيْنِ حَتَّى مَاتَا ولم يقرا بما جاءوا فيه واستوثقوا من الملك وصاحبه الآخر أَسْرًا، فَلَمَّا كَانَ فِي بَعْضِ اللَّيَالِي هَرَبَا ورجع السلطان إلى ملكه وهذه المرة غير نوبة أَسْرِهِ فِي الْمَعْرَكَةِ مَعَ ابْنِ مَسْعُودٍ الْأَمِيرِ.