* فَلَمّا آسَفُونا أي أغضبونا ﴿اِنْتَقَمْنا مِنْهُمْ﴾ أي بالغرق والإهانة وسلب العز والتبدل بالذل وبالعذاب بعد النعمة والهوان بعد الرفاهيّة والنار بعد طيب العيش عياذا بالله العظيم وسلطانه القديم من ذلك ﴿فَجَعَلْناهُمْ سَلَفاً﴾ أي لمن اتبعهم في الصفات ومثلا أي لمن اتعظ بهم وخاف من وبيل مصرعهم ممن بلغه جلية خبرهم وما كان من أمرهم كما قال الله تعالى. ﴿فَلَمّا جاءَهُمْ مُوسى بِآياتِنا بَيِّناتٍ قالُوا ما هذا إِلاّ سِحْرٌ مُفْتَرىً وَما سَمِعْنا بِهذا فِي آبائِنَا الْأَوَّلِينَ * وَقالَ مُوسى رَبِّي أَعْلَمُ بِمَنْ جاءَ بِالْهُدى مِنْ عِنْدِهِ وَمَنْ تَكُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدّارِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظّالِمُونَ * وَقالَ فِرْعَوْنُ﴾ … ﴿يا هامانُ اِبْنِ لِي صَرْحاً﴾ … ﴿لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلى إِلهِ مُوسى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكاذِبِينَ * وَاِسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنا لا يُرْجَعُونَ * فَأَخَذْناهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْناهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الظّالِمِينَ * وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النّارِ وَيَوْمَ الْقِيامَةِ لا يُنْصَرُونَ * وَأَتْبَعْناهُمْ فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ﴾ يخبر تعالى أنهم لما استكبروا عن اتباع الحق وادعى ملكهم الباطل ووافقوه عليه وأطاعوه فيه اشتد غضب الرب القدير العزيز الّذي لا يغالب ولا يمانع عليهم فانتقم منهم أشد الانتقام وأغرقه هو وجنوده في صبيحة واحدة فلم يفلت منهم أحد ولم يبق منهم ديار بل كل قد غرق فدخل النار وأتبعوا في هذه الدار لعنة بين العالمين.
ويوم القيمة بئس الرفد المرفود ويوم القيمة هم من المقبوحين.
[ذكر هلاك فرعون وجنوده]
لما تمادى قبط مصر على كفرهم وعتوهم وعنادهم متابعة لملكهم فرعون ومخالفة لنبي الله ورسوله وكليمه موسى بن عمران ﵇ وأقام الله على أهل مصر الحجج العظيمة القاهرة وأراهم من خوارق العادات ما بهر الابصار وحير العقول وهم مع ذلك لا يرعون ولا ينتهون ولا ينزعون ولا يرجعون ولم يؤمن منهم إلا القليل. قيل ثلاثة وهم امرأة فرعون ولا علم لأهل الكتاب بخبرها ومؤمن آل فرعون الّذي تقدم حكاية موعظته ومشورته وحجته عليهم والرجل الناصح الّذي جاء يسعى من أقصى المدينة فقال يا موسى إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك فاخرج إني لك من الناصحين قاله ابن عباس فيما رواه ابن أبى حاتم عنه ومراده غير السحرة فإنهم كانوا من القبط * وقيل بل آمن طائفة من القبط من قوم فرعون والسحرة كلهم وجميع شعب بنى إسرائيل. ويدل على هذا قوله تعالى ﴿فَما آمَنَ لِمُوسى إِلاّ ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعالٍ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ﴾ فالضمير في قوله ﴿إِلاّ ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ﴾ عائد على فرعون لان السياق يدل عليه. وقيل على موسى لقربه والأول أظهر كما هو مقرر في التفسير وإيمانهم كان خفية لمخافتهم من فرعون وسطوته