قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: ثُمَّ بَعَثَ نَصْرُ بْنُ سَيَّارٍ خَيْلًا عَظِيمَةً لِمُحَارَبَةِ أَبِي مُسْلِمٍ، وَذَلِكَ بَعْدَ ظُهُورِهِ بِثَمَانِيَةَ عَشَرَ شَهْرًا، فَأَرْسَلَ أَبُو مُسْلِمٍ إِلَيْهِمْ مالك بن الهيثم الخزاعي، فالتقوا، فَدَعَاهُمْ مَالِكٌ إِلَى الرِّضَا عَنْ آلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَبَوْا ذَلِكَ، فتصافوا من أول النهار إلى العصر، فجاء إلى مالك مدد فقوى فظفر بهم مالك، وكان هذا أول موقف اقتتل فيه جند بنى العباس وجند بنى أمية.
وفي هَذِهِ السَّنَةِ غَلَبَ خَازِمُ بْنُ خُزَيْمَةَ عَلَى مروالروذ وَقَتَلَ عَامِلِهَا مِنْ جِهَةِ نَصْرِ بْنِ سَيَّارٍ، وَهُوَ بِشْرُ بْنُ جَعْفَرٍ السَّعْدِيُّ، وَكَتَبَ بِالْفَتْحِ إِلَى أَبِي مُسْلِمٍ، وَكَانَ أَبُو مُسْلِمٍ إِذْ ذاك شابا حدثا قد اختاره إبراهيم لِدَعْوَتِهِمْ. وَذَلِكَ لِشَهَامَتِهِ وَصَرَامَتِهِ، وَقُوَّةِ فَهْمِهِ وَجَوْدَةِ ذهنه، وَأَصْلُهُ مِنْ سَوَادِ الْكُوفَةِ، وَكَانَ مَوْلًى لِإِدْرِيسَ بْنِ مَعْقِلٍ الْعِجْلِيِّ، فَاشْتَرَاهُ بَعْضُ دُعَاةِ بَنِي الْعَبَّاسِ بِأَرْبَعِمِائَةِ دِرْهَمٍ، ثُمَّ أَخَذَهُ مُحَمَّدُ بْنُ على ثم آل ولاؤه لآل العباس، وزوجه إبراهيم الامام بابنة أبى النجم إسماعيل بن عمران، وأصدقها عنه وكتب إلى دعاتهم بخراسان والعراق أن يسمعوا منه، فامتثلوا أمره، وقد كانوا في السنة الماضية قبل هذه السنة ردوا عليه أمره لصغره فيهم، فلما كانت هذه السنة أكد الامام كتابه إليهم في الوصاة به وطاعته، وكان في ذلك الخير له ولهم وَكانَ أَمْرُ الله قَدَراً مَقْدُوراً ٣٣: ٣٨ ولما فشا أَمْرُ أَبِي مُسْلِمٍ بِخُرَاسَانَ تَعَاقَدَتْ طَوَائِفُ مِنْ الْعَرَبِ الَّذِينَ بِهَا عَلَى حَرْبِهِ وَمُقَاتِلَتِهِ، وَلَمْ يكره الكرماني وشيبان لأنهما خرجا على نصر وأبو مسلم مخالف لنصر كحالهما، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ يَدْعُو إِلَى خَلْعِ مَرْوَانَ الْحِمَارِ، وَقَدْ طَلَبَ نَصْرٌ مِنْ شَيْبَانَ أَنْ يَكُونَ مَعَهُ عَلَى حَرْبِ أَبِي مُسْلِمٍ، أَوْ يكف عنه حتى يتفرغ لحربه، فإذا قتل أبا مسلم عادا إلى عداوتهما، فأجابه إلى ذلك، فبلغ ذلك أبا مسلم فبعث إلى الكرماني يعلمه بذلك فلام الكرماني شيبان على ذلك، وثناه عن ذلك، وَبَعَثَ أَبُو مُسْلِمٍ إِلَى هَرَاةَ النَّضْرَ بْنَ نعيم فأخذها من عاملها عيسى بن عقيل الليثي، وَكَتَبَ إِلَى أَبِي مُسْلِمٍ بِذَلِكَ، وَجَاءَ عَامِلُهَا إِلَى نَصْرٍ هَارِبًا، ثُمَّ إِنَّ شَيْبَانَ وَادَعَ نَصْرَ بْنَ سَيَّارٍ سَنَةً عَلَى تَرْكِ الْحَرْبِ بينه وبينه، وذلك عن كره من الْكَرْمَانِيِّ، فَبَعَثَ ابْنُ الْكَرْمَانِيِّ إِلَى أَبِي مُسْلِمٍ إِنِّي مَعَكَ عَلَى قِتَالِ نَصْرٍ، وَرَكِبَ أَبُو مسلم في خدمة الكرماني فاتفقا على حرب نصر وَمُخَالَفَتِهِ، وَتَحَوَّلَ أَبُو مُسْلِمٍ إِلَى مَوْضِعٍ فَسِيحٍ وكثر جنده وعظم جيشه، واستعمل على الحرص والشرط