فركب الجيش بكماله وأحضرت أمواله كلها، ومماليكه حتى جواريه وحظاياه، فجعل يبكى ويقول:
هذه العساكر لا يدفعون عنى مثقال ذرة من أمر ربى، ولا يزيدون في عمري لحظة، ثم ندم وتأسف على ما كان منه إلى الخليفة المقتفى، وأهل بغداد وحصارهم وأذيتهم، ثم قال: وهذه الخزائن والأموال والجواهر لو قبلهم ملك الموت منى فداء لجدت بذلك جميعه له، وهذه الحظايا والجواري الحسان والمماليك لو قبلهم فداء منى لكنت بذلك سمحا له. ثم قال ﴿ما أَغْنى عَنِّي مالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطانِيَهْ﴾ ثم فرق شيئا كثيرا من ذلك من تلك الحواصل والأموال، وتوفى عن ولد صغير، واجتمعت العساكر والأمراء على عمه سليمان شاه بن محمد بن ملك شاه، وكان مسجونا بالموصل فأفرج عنه وانعقدت له السلطنة، وخطب له على منابر تلك البلاد سوى بغداد والعراق. والله سبحانه أعلم.
[ثم دخلت سنة خمس وخمسين وخمسمائة]
فيها كانت وفاة الخليفة المقتفى بأمر الله.
[أبو عبد الله محمد بن المستظهر بالله]
مرض بالتراقي وقيل بدمل خرج بحلقة، فمات ليلة الأحد ثانى ربيع الأول منها عن ست وستين سنة، إلا ثمانية وعشرين يوما، ودفن بدار الخلافة، ثم نقل إلى الترب، وكانت خلافته أربعا وعشرين سنة وثلاثة أشهر وستة وعشرين يوما، وكان شهما شجاعا مقداما، يباشر الأمور بنفسه، ويشاهد الحروب ويبذل الأموال الكثيرة لأصحاب الأخبار، وهو أول من استبد بالعراق منفردا عن السلطان، من أول أيام الديلم إلى أيامه، وتمكن في الخلافة وحكم على العسكر والأمراء، وقد وافق أباه في أشياء: من ذلك مرضه بالتراقي، وموته في ربيع الأول، وتقدم موت السلطان محمد شاه قبله بثلاثة أشهر، وكذلك أبوه المستظهر مات قبله السلطان محمود بثلاثة أشهر، وبعد غرق بغداد بسنة مات أبوه، وكذلك هذا. قال عفيف الناسخ: رأيت في المنام قائلا يقول: إذا اجتمعت ثلاث خاءات مات المقتفى - يعنى خمسا وخمسين وخمسمائة.
[خلافة المستنجد بالله أبو المظفر يوسف بن المقتفى]
لما توفى أبوه كما ذكرنا بويع بالخلافة في صبيحة يوم الأحد ثانى ربيع الأول من هذه السنة، بايعه أشراف بنى العباس، ثم الوزير والقضاة والعلماء والأمراء وعمره يومئذ خمس وأربعون سنة، وكان رجلا صالحا، وكان ولى عهد أبيه من مدة متطاولة، ثم عمل عزاء أبيه، ولما ذكر اسمه يوم الجمعة في الخطبة نثرت الدراهم والدنانير على الناس، وفرح المسلمون به بعد أبيه، وأقر الوزير ابن هبيرة على منصبه ووعده بذلك إلى الممات، وعزل قاضى القضاة ابن الدامغانيّ وولى مكانه أبا جعفر بن عبد الواحد، وكان شيخا كبيرا، له سماع بالحديث، وباشر الحكم بالكوفة، ثم توفى في