للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حكيم: والّذي بعثك بالحق لا أرزأ بعدك أبدا، فلم يرزأ أحدا بعده، وكان أبو بكر يعرض عليه العطاء فيأبى، وكان عمر يعرض عليه العطاء فيأبى فيشهد عليه المسلمين، ومع هذا كان من أغنى الناس، مات الزبير يوم مات ولحكيم عليه مائة ألف، وقد كان بيده حين أسلم الرفادة ودار الندوة فباعها بعد من معاوية بمائة ألف، وفي رواية بأربعين ألف دينار، فقال له ابن الزبير: بعت مكرمة قريش؟ فقال له حكيم: ابن أخى ذهبت المكارم فلا كرم إلا التقوى، يا ابن أخى إني اشتريتها في الجاهلية بزق خمر، ولأشترين بها دارا في الجنة، أشهدك أنى قد جعلتها في سبيل الله، وهذه الدار كانت لقريش بمنزلة دار العدل، وكان لا يدخلها أحد إلا وقد صار سنه أربعين سنة، إلا حكيم بن حزام فإنه دخلها وهو ابن خمس عشرة سنة، ذكره الزبير بن بكار، وذكر الزبير أن حكيما حج عاما فأهدى مائة بدنة مجللة، وألف شاة، وأوقف معه بعرفات مائة وصيف في أعناقهم أطوقة الفضة، وقد نقش فيها: هؤلاء عتقاء الله عن حكيم بن حزام، فأعتقهم وأهدى جميع تلك الأنعام .

توفى حكيم في هذه السنة على الصحيح، وقيل غير ذلك وله مائة وعشرون سنة.

[حويطب بن عبد العزى العامري]

صحابى جليل، أسلم عام الفتح، وكان قد عمر دهرا طويلا، ولهذا جعله عمر في النفر الذين جددوا أنصاب الحرم، وقد شهد بدرا مع المشركين، ورأى الملائكة يومئذ بين السماء والأرض، وشهد الحديبيّة وسعى في الصلح، فلما كان عمرة القضاء كان هو وسهيل هما اللذان أمرا رسول الله بالخروج من مكة، فأمر بلالا أن لا تغرب الشمس وبمكة أحد من أصحابه، قال: وفي كل هذه المواطن أهم بالإسلام ويأبى الله إلا ما يريد، فلما كان زمن الفتح خفت خوفا شديدا وهربت فلحقني أبو ذر - وكان لي خليلا في الجاهلية -. فقال: يا حويطب مالك؟ فقلت: خائف، فقال: لا تخلف فإنه أبر الناس: وأوصل الناس، وأنا لك جار فاقدم معى، فرجعت معه فوقف بى على رسول الله وهو بالبطحاء ومعه أبو بكر وعمر،

وقد علمني أبو ذر أن أقول: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، فلما قلت ذلك قال: «حويطب»؟ قلت: نعم! أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، فقال:

«الحمد لله الّذي هداك» وسر بذلك واستقرضنى مالا فأقرضته أربعين ألفا، وشهدت معه حنينا والطائف، وأعطانى من غنائم حنين مائة بعير. ثم قدم حويطب بعد ذلك المدينة فنزلها وله بها دار، ولما ولى عليها مروان بن الحكم جاءه حويطب وحكيم بن حزام، ومخرمة بن نوفل، فسلموا عليه وجعلوا يتحدثون عنده ثم تفرقوا، ثم اجتمع حويطب بمروان يوما آخر فسأله مروان عن عمره فأخبره، فقال له: تأخر إسلامك أيها الشيخ حتى سبقك الأحداث. فقال حويطب: الله المستعان، والله لقد هممت بالإسلام غير مرة كل ذلك يعوقنى أبوك يقول تضع شرفك وتدع دين آبائك لدين

<<  <  ج: ص:  >  >>