للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فبعثا أبا الطفيل عامر بن واثلة فاستنجد لهما من العراق من شيعتهما. فقدم أربعة آلاف فكبروا بمكة تكبيرة واحدة، وهموا بابن الزبير فهرب فتعلق بأستار الكعبة، وقال: أنا عائذ بالله، فكفوهم عنه، ثم مالوا إلى ابن عباس وابن الحنفية وقد حمل ابن الزبير حول دورهم الحطب ليحرقهم، فخرجوا بهما حتى نزلوا الطائف، وأقام ابن عباس سنتين لم يبايع أحدا كما تقدم.

فلما كان في سنة ثمان وستين توفى ابن عباس بالطائف، وصلّى عليه محمد بن الحنفية، فلما وضعوه ليدخلوه في قبره جاء طائر أبيض لم ير مثل خلقته، فدخل في أكفانه والتف بها حتى دفن معه. قال عفان: وكانوا يرون علمه وعمله، فلما وضع في اللحد تلا تال لا يعرف من هو وفي رواية أنهم سمعوا من قبره ﴿يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * اِرْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبادِي * وَاُدْخُلِي جَنَّتِي﴾ هذا القول في وفاته هو الّذي صححه غير واحد من الأئمة، ونص عليه أحمد بن حنبل والواقدي وابن عساكر، وهو المشهور عند الحفاظ، وقيل إنه توفى في سنة ثلاث وستين، وقيل سنة ثلاث وسبعين، وقيل سنة سبع وستين، وقيل سنة تسع وستين، وقيل سنة سبعين. والأول أصح، وهذه الأقوال كلها شاذة غريبة مردودة والله أعلم. وكان عمره يوم مات ثنتين وسبعين سنة، وقيل إحدى وسبعين، وقيل أربع وسبعين، والأول أصح والله أعلم.

[صفة ابن عباس]

كان جسيما إذا جلس يأخذ مكان رجلين، جميلا له وفرة، قد شاب مقدم رأسه، وشابت لمته، وكان يخضب بالحناء وقيل بالسواد، حسن الوجه يلبس حسنا ويكثر من الطيب بحيث إنه كان إذا مر في الطريق يقول النساء هذا ابن عباس أو رجل معه مسك، وكان وسيما أبيض طويلا جسيما فصيحا، ولما عمى اعترى لونه صفرة يسيرة. وقد كان بنو العباس عشرة، وهم الفضل، وعبد الله، وعبيد الله، ومعبد، وقثم، وعبد الرحمن، وكثير، والحارث، وعون، وتمام. وكان أصغرهم تمام، ولهذا كان يحمله ويقول.

تموا بتمام فصاروا عشرة … يا رب فاجعلهم كراما بررة

واجعلهم ذكرا وانم الثمرة

فأما الفضل فمات بأجنادين شهيدا، وعبد الله بالطائف، وعبيد الله باليمن، ومعبد وعبد الرحمن بإفريقية، وقثم وكثير بينبع، وقيل إن قثما مات بسمرقند، وقد قال مسلم بن حماد المكيّ مولى بنى مخزوم: ما رأيت مثل بنى أم واحدة أشراف ولدوا في دار واحدة أبعد قبورا من بنى أم الفضل، ثم ذكر مواضع قبورهم كما تقدم، إلا أنه قال الفضل مات بالمدينة، وعبيد الله بالشام.

وقد كان عبد الله بن عباس يلبس الحلة بألف درهم، وكان له من الولد العباس وعلى، وكان على يدعى السجاد لكثرة صلاته، وكان أجمل قرشي على وجه الأرض، وقد قيل إنه كان يصلى كل يوم

<<  <  ج: ص:  >  >>