مروان من الموصل فأقام بمنزله بحران [وقد وجد سرورا بزوال الخوارج، ولكن لم يتم سروره، بل أعقبه القدر من هو أقوى شوكة وأعظم أتباعا، وأشد بأسا من الخوارج، وهو ظهور أبى مسلم الخراساني الداعية إلى دولة بنى العباس]. (١)
[أول ظهور أبى مسلم الخراساني]
وفي هذه السنة ورد كتاب من إبراهيم بن محمد الامام العباسي بطلب أبى مسلم الخراساني من خراسان، فسار إليه في سبعين من النقباء، لا يمرون ببلد إلا سألوهم إلى أين تذهبون؟ فيقول أبو مسلم: نريد الحج. وإذا توسم أبو مسلم من بعضهم ميلا إليهم دعاهم إلى ما هم فيه فيجيبه إلى ذلك، فلما كان ببعض الطريق جاء كتاب ثان من إبراهيم الامام إلى أبى مسلم: إني بعثت إليك براية النصر فارجع إلى خراسان وأظهر الدعوة، وأمر قحطبة بن شبيب أن يسير بما معه من الأموال والتحف إلى إبراهيم الامام فيوافيه في الموسم، فرجع أبو مسلم بالكتاب فدخل خراسان في أول يوم من رمضان فرفع الكتاب إلى سليمان بن كثير وفيه: أن أظهر دعوتك ولا تتربص. فقدموا عليهم أبا مسلم الخراساني داعيا إلى بنى العباس، فبعث أبو مسلم دعاته في بلاد خراسان، وأمير خراسان نصر بن سيار - مشغول بقتال الكرماني، وشيبان بن سلمة الحروري، وقد بلغ من أمره أنه كان يسلم عليه أصحابه بالخلافة في طوائف كثيرة من الخوارج، فظهر أمر أبى مسلم وقصده الناس من كل جانب، فكان ممن قصده في يوم واحد أهل ستين قرية، فأقام هناك اثنين وأربعين يوما، ففتحت على يديه أقاليم كثيرة. ولما كان ليلة الخميس لخمس بقين من رمضان في هذه السنة، عقد أبو مسلم اللواء الّذي بعثه إليه الامام، ويدعى الظل، على رمح طوله أربعة عشر ذراعا، وعقد الراية التي بعث بها الامام أيضا، وتدعى السحاب، على رمح طوله ثلاثة عشر ذراعا، وهما سوداوان، وهو يتلو قوله تعالى ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ﴾ ولبس أبو مسلم وسليمان بن كثير ومن أجابهم إلى هذه الدعوة، السواد، وصارت شعارهم، وأوقدوا في هذه الليلة نارا عظيمة يدعون بها أهل تلك النواحي، وكانت علامة بينهم فتجمعوا. ومعنى تسمية إحدى الرايتين بالسحاب أن السحاب كما يطبق جميع الأرض كذلك بنو العباس تطبق دعوتهم أهل الأرض، ومعنى تسمية الأخرى بالظل أن الأرض كما أنها لا تخلو من الظل فكذلك بنو العباس لا تخلو الأرض من قائم منهم. وأقبل الناس إلى أبى مسلم من كل جانب، وكثر جيشه.
ولما كان يوم عيد الفطر أمر أبو مسلم سليمان بن كثير أن يصلى بالناس، ونصب له منبرا، وأن يخالف في ذلك بنى أمية، ويعمل بالسنة، فنودي للصلاة الصلاة جامعة، ولم يؤذن ولم يقم خلافا