فَبَعَثَ ابْنُ هُبَيْرَةَ بِكِتَابِ نَصْرٍ إِلَى مروان، واتفق في وصول الكتاب إِلَيْهِ أَنْ وَجَدُوا رَسُولًا مِنْ جِهَةِ إِبْرَاهِيمَ الامام وَمَعَهُ كِتَابٌ مِنْهُ إِلَى أَبِي مُسْلِمٍ، وَهُوَ يشتمه فيه وَيَسُبُّهُ، وَيَأْمُرُهُ أَنْ يُنَاهِضَ نَصْرَ بْنَ سَيَّارٍ وابن الكرماني، ولا يترك هناك من يحسن العربية. فَعِنْدَ ذَلِكَ بَعَثَ مَرْوَانُ وَهُوَ مُقِيمٌ بِحَرَّانَ كتابا إِلَى نَائِبِهِ بِدِمَشْقَ وَهُوَ الْوَلِيدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ بن عبد الملك، يأمره فيه أن يذهب إلى الحمية، وهي البلدة التي فيها إبراهيم بن محمد الامام، فَيُقَيِّدُهُ وَيُرْسِلُهُ إِلَيْهِ. فَبَعَثَ نَائِبُ دِمَشْقَ إِلَى نائب البلقاء فذهب إلى مسجد البلدة المذكورة فوجد إبراهيم الامام جالسا فَقَيَّدَهُ وَأَرْسَلَ بِهِ إِلَى دِمَشْقَ، فَبَعَثَهُ نَائِبُ دمشق من فوره إلى مروان، فأمر به فسجن ثم قتل كما سيأتي.
وَأَمَّا أَبُو مُسْلِمٍ فَإِنَّهُ لَمَّا تَوَسَّطَ بَيْنَ جيش نصر وابن الكرماني، كاتب ابن الْكَرْمَانِيَّ: إِنِّي مَعَكَ فَمَالَ إِلَيْهِ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ نَصْرٌ وَيْحَكَ لَا تَغْتَرَّ فَإِنَّهُ إِنَّمَا يُرِيدُ قتلك وقتل أصحابك، فَهَلُمَّ حَتَّى نَكْتُبَ كِتَابًا بَيْنَنَا بِالْمُوَادَعَةِ، فَدَخَلَ ابن الْكَرْمَانِيُّ دَارَهُ ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الرَّحْبَةِ فِي مائة فارس، وبعث إلى نصر هَلُمَّ حَتَّى نَتَكَاتَبَ، فَأَبْصَرَ نَصْرٌ غِرَّةً مِنَ ابن الْكَرْمَانِيِّ فَنَهَضَ إِلَيْهِ فِي خَلْقٍ كَثِيرٍ، فَحَمَلُوا عليه فقتلوه وقتلوا من جماعته جماعة، وقتل ابن الْكَرْمَانِيُّ فِي الْمَعْرَكَةِ، طَعَنَهُ رَجُلٌ فِي خَاصِرَتِهِ فخرج عن دابته، ثم أمر نصر بصلبه وصلب معه جماعة، وَصُلِبَ مَعَهُ سَمَكَةٌ، وَانْضَافَ وَلَدُهُ إِلَى أَبِي مُسْلِمٍ الْخُرَاسَانِيِّ وَمَعَهُ طَوَائِفُ مِنَ النَّاسِ مِنْ أصحاب ابن الكرماني، فصاروا كتفا واحدا على نصر.
قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ تَغَلَّبَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ عَلَى فَارِسَ وَكُوَرِهَا، وَعَلَى حُلْوَانَ وقومس وأصبهان والري، بعد حرب يطول ذكرها، ثُمَّ الْتَقَى عَامِرُ بْنُ ضُبَارَةَ مَعَهُ بِإْصْطَخْرَ فَهَزَمَهُ ابْنُ ضُبَارَةَ وَأَسَرَ مِنْ أَصْحَابِهِ أَرْبَعِينَ أَلْفًا. فَكَانَ مِنْهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، فَنَسَبَهُ ابْنُ ضُبَارَةَ وَقَالَ لَهُ: مَا جَاءَ بِكَ مَعَ ابْنِ مُعَاوِيَةَ وَقَدْ عَلِمْتَ خِلَافَهُ لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ؟ فقال: كان عليّ دين فأتيته فيه. فَقَامَ إِلَيْهِ [حَرْبُ بْنُ] قَطَنِ بْنِ وَهْبٍ الهلالي فَاسْتَوْهَبَهُ مِنْهُ وَقَالَ: هُوَ ابْنُ أُخْتِنَا فَوَهَبَهُ لَهُ، وَقَالَ: مَا كُنْتُ لِأَقْدِمَ عَلَى رَجُلٍ من قريش، ثم استعلم ابن ضبارة منه أَخْبَارِ ابْنِ مُعَاوِيَةَ فَذَمَّهُ وَرَمَاهُ هُوَ وَأَصْحَابَهُ بِاللِّوَاطِ، وَجِيءَ مِنَ الْأُسَارَى بِمِائَةِ غُلَامٍ عَلَيْهِمُ الثياب المصبغة، وقد كان يعمل معهم الفاحشة، وحمل ابْنُ ضُبَارَةَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَلِيٍّ عَلَى البريد لابن هبيرة ليخبره بما أخبر به