الخاتم وولاه ما وراء بابه، وولاه الحرب وسيره إلى حلوان، فلما وصل إلى الجسر هرب في حاشيته وخدمه فبعث إليه الأمين من يرده، فركبت الخيول وراءه فأدركوه فقاتلهم وقاتلوه فقتلوه لمنتصف رجب، وجاءوا برأسه إلى الأمين، وجدد الناس البيعة للأمين يوم الجمعة، ولما قتل الحسين بن على بن عيسى هرب الفضل بن الربيع الحاجب واستحوذ طاهر بن الحسين على أكثر البلاد للمأمون، واستناب بها النواب، وخلع أكثر أهل الأقاليم الأمين وبايعوا المأمون، ودنا طاهر إلى المدائن فأخذها مع واسط وأعمالها، واستناب من جهته على الحجاز واليمن والجزيرة والموصل وغير ذلك، ولم يبق مع الأمين من البلاد إلا القليل. وفي شعبان منها عقد الأمين أربعمائة لواء مع كل لواء أمير، وبعثهم لقتال هرثمة، فالتقوا في شهر رمضان فكسرهم هرثمة وأسر مقدمهم على بن محمد بن عيسى بن نهيك، وبعث به إلى المأمون. وهرب جماعة من جند طاهر فساروا إلى الأمين فأعطاهم أموالا كثيرة، وأكرمهم وغلف لحاهم بالغالية فسموا جيش الغالية. ثم ندبهم الأمين وأرسل معهم جيشا كثيفا لقتال طاهر فهزمهم طاهر وفرق شملهم، وأخذ ما كان معهم. واقترب طاهر من بغداد فحاصرها وبعث القصاد والجواسيس يلقون الفتنة بين الجند حتى تفرقوا شيعا، ثم وقع بين الجيش وتشعبت الأصاغر على الأكابر واختلفوا على الأمين في سادس ذي الحجة فقال بعض البغاددة:
قل لأمين الله في نفسه … ما شتت الجند سوى الغالية
وطاهر نفسي فدى طاهر … برسله والعدة الكافية
أضحى زمام الملك في كفه … مقاتلا للفئة الباغية
يا ناكثا أسلمه نكثه … عيوبه في خبثه فاشيه
قد جاءك الليث بشداته … مستكلبا في أسد ضاريه
فاهرب ولا مهرب من مثله … إلا إلى النار أو الهاوية
فتفرق على الأمين شمله، وحار في أمره، وجاء طاهر بن الحسين بجيوشه فنزل على باب الأنبار يوم الثلاثاء لثنتى عشرة ليلة خلت من ذي الحجة، واشتد الحال على أهل البلد وأخاف الدعار والشطار أهل الصلاح، وخربت الديار، وثارت الفتنة بين الناس، حتى قاتل الأخ أخاه للأهواء المختلفة، والابن أباه، وجرت شرور عظيمة، واختلفت الأهواء وكثر الفساد والقتل داخل البلد.
وحج بالناس فيها العباس بن موسى بن عيسى الهاشمي من قبل طاهر، ودعا للمأمون بالخلافة بمكة والمدينة، وهو أول موسم دعي فيه للمأمون.
[وفيها توفى]
بقية بن الوليد الحمصي إمام أهل حمص وفقيهها ومحدثها.