للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهو بأرض فارس. وهو الّذي أشتغل فيه وأسألك عن غوامضه، فأطرق الخليل ساعة ثم أنشد:

ذهب النحو جميعا كله … غير ما أحدث عيسى بن عمر

ذاك إكمال وهذا جامع … وهما للناس شمس وقمر

وقد كان عيسى يغرب ويتقعّر في عبارته جدا. وقد حكى الجوهري عنه في الصحاح أنه سقط يوما عن حماره فاجتمع عليه الناس فقال: ما لكم تكأكأتم عليّ تكأكؤكم على ذي مرّة؟ افرنقعوا عنى.

معناه: ما لكم تجمعتم على تجمعكم على مجنون؟ انكشفوا عنى. وقال غيره: كان به ضيق النفس فسقط بسببه فاعتقد الناس أنه مصروع. فجعلوا يعودونه ويقرءون عليه، فلما أفاق من غشيته قال، ما قال. فقال بعضهم: إني حسبته - يتكلم بالفارسية - وذكر ابن خلكان أنه كان صاحبا لأبى عمرو بن العلاء، وأن عيسى بن عمر قال يوما لأبى عمرو بن العلاء: أنا أفصح من معدّ بن عدنان.

فقال له أبو عمرو كيف تقرأ هذا البيت.

قد كن يخبأن الوجوه تسترا … فاليوم حين بدأن للنظار

أو بدين؟ فقال بدين. فقال أبو عمرو: أخطأت، ولو قال: بدأن لأخطأ أيضا. وإنما أراد أبو عمرو تغليطه، وإنما الصواب بدون من بدا يبدو إذا ظهر، وبدأ يبدأ إذا شرع في الشيء.

[ثم دخلت سنة خمسين ومائة من الهجرة]

فيها خرج رجل من الكفرة يقال له استاذسيس في بلاد خراسان فاستحوذ على أكثرها، والتف معه نحو من ثلاثمائة ألف، وقتلوا من المسلمين هنالك خلقا كثيرا، وهزموا الجيوش التي في تلك البلاد، وسبوا خلقا كثيرا، وتحكم الفساد بسببهم، وتفاقم أمرهم، فوجه المنصور خازم بن خزيمة إلى ابنه المهدي ليوليه حرب تلك البلاد، ويضم إليه من الأجناد ما يقاوم أولئك. فنهض المهدي في ذلك نهضه هاشمية، وجمع لخازم بن خزيمة الامرة على تلك البلاد والجيوش، وبعثه في نحو من أربعين ألفا، فسار إليهم وما زال يراوغهم ويماكرهم ويعمل الخديعة فيهم حتى فاجأهم بالحرب، وواجههم بالطعن والضرب، فقتل منهم نحوا من سبعين ألفا، وأسر منهم أربعة عشر ألفا، وهرب ملكهم استأذسيس فتحرز في جبل، فجاء خازم إلى تحت الجبل وقتل أولئك الأسرى كلهم، ولم يزل يحاصره حتى نزل على حكم بعض الأمراء، فحكم أن يقيد بالحديد هو وأهل بيته، وأن يعتق من معه من الأجناد - وكانوا ثلاثين ألفا - ففعل خازم ذلك كله وأطلق لكل واحد ممن كان مع استاذسيس ثوبين، وكتب بما وقع من الفتح إلى المهدي، فكتب المهدي بذلك إلى أبيه المنصور. وفيها عزل الخليفة عن إمرة المدينة جعفر بن سليمان وولاها الحسن بن زيد بن الحسن ابن الحسن بن على بن أبى طالب. وفيها حج بالناس عبد الصمد بن على عم الخليفة. وتوفى فيها

<<  <  ج: ص:  >  >>