من يتمنى العمر فليتخذ ... صبرا على فقد أحبابه
وَمَنْ يُعَمَّرْ يَلْقَ فِي نَفْسِهِ ... مَا يَتَمَنَّاهُ لِأَعْدَائِهِ
كَذَا ذَكَرَ ابْنُ السَّاعِي هَذَيْنِ الْبَيْتَيْنِ مِنْ شِعْرِ سَيْفِ الدَّوْلَةِ فِي أَخِيهِ أَبِي فراس، وذكرها ابن الجوزي مِنْ شِعْرِ أَبِي فِرَاسٍ نَفْسِهِ، وَأَنَّ الْأَعْرَابِيَّ أجازهما بالبيتين المذكورين بعدهما. ومن شعر أبى فراس:
سَيَفْقِدُنِي قَوْمِي إِذَا جَدَّ جَدُّهُمْ ... وَفِي اللَّيْلَةِ الظَّلْمَاءِ يُفْتَقَدُ الْبَدْرُ
وَلَوْ سَدَّ غَيْرِي مَا سددت اكتفوا ... به وما فعل النسر الرفيق مع الصقر
وقوله من قصيدة:
إلى الله أشكو إننا بمنازل ... تَحَكَّمُ فِي آسَادِهِنَّ كِلَابُ
فَلَيْتَكَ تَحْلُو وَالْحَيَاةُ مَرِيرَةٌ ... وَلَيْتَكَ تَرْضَى وَالْأَنَامُ غِضَابُ
وَلَيْتَ الْذِي بَيْنِي وَبَيْنَكَ عَامِرٌ ... وَبَيْنِي وَبَيْنَ الْعَالَمِينَ خَرَابُ
[ثم دخلت سنة أربع وستين وثلاثمائة]
فِيهَا جَاءَ عَضُدُ الدَّوْلَةِ بْنُ رُكْنِ الدَّوْلَةِ بْنِ بُوَيْهِ إِلَى وَاسِطٍ وَمَعَهُ وَزِيرُ أَبِيهِ أبو الفتح بن العميد، فهرب منه الفتكين في الأتراك إلى بغداد، فسار خلفهم فنزل في الجانب الشرقي منها، وَأَمَرَ بَخْتِيَارَ أَنْ يَنْزِلَ عَلَى الْجَانِبِ الْغَرْبِيِّ، وَحَصَرَ التُّرْكَ حَصْرًا شَدِيدًا، وَأَمَرَ أُمَرَاءَ الْأَعْرَابِ أن يغيروا على الأطراف ويقطعوا عن بغداد الميرة الواصلة إليها، فغلت الأسعار وَامْتَنَعَ النَّاسُ مِنَ الْمَعَاشِ مِنْ كَثْرَةِ الْعَيَّارِينَ والنهوب، وكبس الفتكين البيوت لطلب الطعام واشتد الحال، ثُمَّ الْتَقَتِ الْأَتْرَاكُ وَعَضُدُ الدَّوْلَةِ فَكَسَرَهُمْ وَهَرَبُوا إِلَى تِكْرِيتَ وَاسْتَحْوَذَ عَضُدُ الدَّوْلَةِ عَلَى بَغْدَادَ وَمَا وَالَاهَا مِنَ الْبِلَادِ، وَكَانَتِ التُّرْكُ قَدْ أَخْرَجُوا مَعَهُمُ الْخَلِيفَةَ فَرَدَّهُ عَضُدُ الدَّوْلَةِ إِلَى دَارِ الْخِلَافَةِ مُكَرَّمًا، وَنَزَلَ هُوَ بِدَارِ الْمُلْكِ وضعف أَمْرُ بَخْتِيَارَ جِدًّا، وَلَمْ يَبْقَ مَعَهُ شَيْءٌ بالكلية، فأغلق بابه وطرد الحجبة والكتاب عَنْ بَابِهِ وَاسْتَعْفَى عَنِ الْإِمَارَةِ، وَكَانَ ذَلِكَ بِمَشُورَةِ عَضُدِ الدَّوْلَةِ، فَاسْتَعْطَفَهُ عَضُدُ الدَّوْلَةِ فِي الظَّاهِرِ، وَقَدْ أَشَارَ عَلَيْهِ فِي الْبَاطِنِ أَنْ لَا يَقْبَلَ فَلَمْ يَقْبَلْ. وَتَرَدَّدَتِ الرُّسُلُ بَيْنَهُمَا فصمم بختيار على الامتناع ظاهرا، فألزم عَضُدُ الدَّوْلَةِ بِذَلِكَ وَأَظْهَرَ لِلنَّاسِ أَنَّهُ إِنَّمَا يَفْعَلُ هَذَا عَجْزًا مِنْهُ عَنِ الْقِيَامِ بِأَعْبَاءِ الْمُلْكِ فَأَمَرَ بِالْقَبْضِ عَلَى بَخْتِيَارَ وَعَلَى أَهْلِهِ واخوته، ففرح بذلك الخليفة الطائع، وَأَظْهَرَ عَضُدُ الدَّوْلَةِ مِنْ تَعْظِيمِ الْخِلَافَةِ مَا كَانَ دَارِسًا، وَجَدَّدَ دَارَ الْخِلَافَةِ حَتَّى صَارَ كُلُّ مَحَلٍّ مِنْهَا آنِسًا، وَأَرْسَلَ إِلَى الْخَلِيفَةِ بالأموال والأمتعة الحسنة العزيزة وقتل الْمُفْسِدِينَ مِنْ مَرَدَةِ التُّرْكِ وَشُطَّارِ الْعَيَّارِينَ.
قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ عَظُمَ الْبَلَاءُ بِالْعَيَّارِينَ بِبَغْدَادَ، وَأَحْرَقُوا سُوقَ بَابِ الشَّعِيرِ، وَأَخَذُوا أَمْوَالًا كَثِيرَةً، وَرَكِبُوا الْخُيُولَ وَتَلَقَّبُوا بِالْقُوَّادِ، وَأَخَذُوا الْخَفَرَ مِنَ الْأَسْوَاقِ وَالدُّرُوبِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute