فبعدا للقوم الظالمين. وأدان الله من مروان، وقد غره بالله الغرور، وأرسل عدو الله في عنانه حتى عثر جواده في فضل خطامه، أظن عدو الله أن لن يقدر عليه أحد؟ فنادى حزبه وجمع جنده ورمى بكتائبه فوجد أمامه ووراءه وعن يمينه وعن شماله ومن فوقه ومن تحته من مكر الله وبأسه ونقمته ما أمات باطله، ومحق ضلاله، وأحل دائرة السوء به، وأحاط به خطيئته، ورد إلينا حقنا وآوانا.
أيها الناس! إن أمير المؤمنين نصره الله نصرا عزيزا، إنما عاد إلى المنبر بعد صلاة الجمعة لأنه كره أن يخلط بكلام الجمعة غيره، وإنما قطعة عن استتمام الكلام شدة الوعك، فادعوا الله لأمير المؤمنين بالعافية، فقد أبدلكم الله بمروان عدو الرحمن، وخليفة الشيطان، المتبع للسفلة الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون. المتوكل على الله المقتدى بالأبرار الأخيار الذين أصلحوا الأرض بعد فسادها بمعالم الهدى، ومناهج التقى. قال فعج الناس له بالدعاء ثم قال: واعلموا يا أهل الكوفة أنه لم يصعد منبركم هذا خليفة بعد رسول الله ﷺ إلا أمير المؤمنين على بن أبى طالب وأمير المؤمنين هذا - وأشار بيده إلى السفاح - واعلموا أن هذا الأمر فينا ليس بخارج عنا، حتى نسلمه إلى عيسى بن مريم ﵇، والحمد لله رب العالمين على ما أبلانا وأولانا. ثم نزل أبو العباس وداود حتى دخلا القصر. ثم دخل الناس يبايعون إلى العصر، ثم من بعد العصر إلى الليل.
ثم إن أبا العباس خرج فعسكر بظاهر الكوفة واستخلف عليها عمه داود، وبعث عمه عبد الله ابن على إلى أبى عون بن أبى يزيد، وبعث ابن أخيه عيسى بن موسى إلى الحسن بن قحطبة. وهو يومئذ بواسط يحاصر ابن هبيرة، وبعث يحيى بن [جعفر بن] تمام بن العباس إلى حميد بن قحطبة بالمدائن، وبعث أبا اليقظان عثمان بن عروة بن محمد بن عمار بن ياسر إلى بسام بن إبراهيم بن بسام بالأهواز، وبعث سلمة بن عمرو بن عثمان إلى مالك بن الطواف. وأقام هو بالعسكر أشهرا، ثم ارتحل فنزل المدينة الهاشمية في قصر الامارة، وقد تنكر لأبى سلمة الخلال، وذلك لما كان بلغه عنه من العدول بالخلافة عن ابن العباس إلى آل على بن أبى طالب والله ﷾ أعلم.
[ذكر مقتل مروان بن محمد بن مروان]
آخر خلفاء بنى أمية، وتحول الخلافة إلى بنى العباس مأخوذ من قوله تعالى ﴿وَاللهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشاءُ﴾ وقوله ﴿قُلِ اللهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ﴾ الآية. وقد ذكرنا أن مروان لما بلغه خبر أبى مسلم وأتباعه وما جرى بأرض خراسان، تحول من حران فنزل على نهر قريب من الموصل، يقال له الزاب من أرض الجزيرة ثم لما بلغه أن السفاح قد بويع له بالكوفة والتفت عليه الجنود، واجتمع له أمره، شق عليه جدا، وجمع جنوده فتقدم إليه أبو عون بن أبى يزيد في جيش كثيف وهو أحد أمراء السفاح، فنازله على الزاب وجاءته الأمداد من جهة السفاح، ثم ندب السفاح الناس ممن يلي القتال من أهل