بيته، فانتدب له عبد الله بن على فقال: سر على بركة الله، فسار في جنود كثيرة فقدم على أبى عون فتحول له أبو عون عن سرادقه، وخلاه له وما فيه، وجعل عبد الله بن على على شرطته حياش ابن حبيب الطائي، ونصير بن المحتفز، ووجه أبو العباس موسى بن كعب في ثلاثين رجلا على البريد إلى عبد الله بن على يحثه على مناجزة مروان، والمبادرة إلى قتاله ونزاله قبل أن تحدث أمور، وتبرد نيران الحرب. فتقدم عبد الله بن على بجنوده حتى واجه جيش مروان، ونهض مروان في جنوده وتصاف الفريقان في أول النهار، ويقال إنه كان مع مروان يومئذ مائة ألف وخمسون ألفا، ويقال مائة وعشرون ألفا، وكان عبد الله بن على في عشرين ألفا. فقال مروان لعبد العزيز بن عمر ابن عبد العزيز: إن زالت الشمس يومئذ ولم يقاتلونا كنا نحن الذين ندفعها إلى عيسى بن مريم، وإن قاتلونا قبل الزوال ف ﴿إِنّا لِلّهِ وَإِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ﴾. ثم أرسل مروان إلى عبد الله بن على يسأله الموادعة، فقال عبد الله: كذب ابن زريق، لا تزول الشمس حتى أوطئه الخيل إن شاء الله، وكان ذلك يوم السبت لإحدى عشر ليلة خلت من جمادى الآخرة من هذه السنة، فقال مروان: قفوا لا تبتدئون بقتال، وجعل ينظر إلى الشمس فخالفه الوليد بن معاوية بن مروان - وهو ختن مروان على ابنته - فحمل، فغضب مروان فشتمه فقاتل أهل الميمنة فانحاز أبو عون إلى عبد الله بن على، فقاتل موسى بن كعب لعبد الله بن على، فأمر الناس فنزلوا ونودي الأرض الأرض، فنزلوا وأشرعوا الرماح وجثوا على الركب وقاتلوهم، وجعل أهل الشام يتأخرون كأنما يدفعون، وجعل عبد الله يمشى قدما، وجعل يقول: يا رب حتى متى نقتل فيك، ونادى: يا أهل خراسان، يا شارات إبراهيم الامام، يا محمد يا منصور، واشتد القتال جدا بين الناس، فلا تسمع إلا وقعا كالمرازب على النحاس، فأرسل مروان إلى قضاعة يأمرهم بالنزول فقالوا: قل لبني سليم فلينزلوا، وأرسل إلى السكاسك أن احملوا فقالوا: قل لبني عامر أن يحملوا، فأرسل إلى السكون أن احملوا فقالوا: قل إلى غطفان فليحملوا.
فقال لصاحب شرطته: انزل فقال لا والله لا أجعل نفسي غرضا. قال: أما والله لأسوءنك. قال:
وددت والله لو قدرت على ذلك.
ويقال: إنه قال ذلك لابن هبيرة قالوا: ثم انهزم أهل الشام واتبعتهم أهل خراسان في أدبارهم يقتلون ويأسرون، وكان من غرق من أهل الشام أكثر ممن قتل وكان في جملة من غرق إبراهيم بن الوليد بن عبد الملك المخلوع، وقد أمر عبد الله بن على بعقد الجسر، واستخراج من غرق في الماء، وجعل يتلو قوله تعالى ﴿وَإِذْ فَرَقْنا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْناكُمْ وَأَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ﴾ وأقام عبد الله ابن على في موضع المعركة سبعة أيام، وقد قال رجل من ولد سعيد بن العاص في مروان وفراره يومئذ:
لج الفرار بمروان فقلت له … عاد الظلوم ظليما همه الهرب