للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والتقى مع السودان فهزموه أيضا فلحقوه بالبقيع فألقى لهم رداءه يشغلهم فيه حتى نجا بنفسه ومن اتبعه، فلحق ببطن نخل على ليلتين من المدينة، ووقع السودان على طعام للمنصور كان مخزونا في دار مروان قد قدم به في البحر فنهبوه ونهبوا ما للجند الذين بالمدينة من دقيق وسويق وغيره، وباعوا ذلك بأرخص ثمن. وذهب الخبر إلى المنصور بما كان من أمر السودان، وخاف أهل المدينة من معرة ذلك، فاجتمعوا وخطبهم ابن أبى سبرة - وكان مسجونا - فصعد المنبر وفي رجليه القيود، فحثهم على السمع والطاعة للمنصور، وخوفهم شر ما صنعه مواليهم، فاتفق رأيهم على أن يكفوا مواليهم ويفرقوهم ويذهبوا إلى أميرهم فيردوه إلى عمله، ففعلوا ذلك، فسكن الأمر وهدأ الناس وانطفأت الشرور، ورجع عبد الله بن الربيع إلى المدينة فقطع يد وثيق وأبى النار ويعقل ومسعر.

[ذكر خروج إبراهيم بن عبد الله بن حسن بالبصرة وكيفية مقتله]

كان إبراهيم قد هرب إلى البصرة فنزل في بنى ضبيعة من أهل البصرة، في دار الحارث بن عيسى، وكان لا يرى بالنهار، وكان قدومه إليها بعد أن طاف بلادا كثيرة جدا، وجرت عليه وعلى أخيه خطوب شديدة هائلة، وانعقد أسباب هلاكهما في أوقات متعددة، ثم كان آخر ما استقر أمره بالبصرة في سنة ثلاث وأربعين ومائة، بعد منصرف الحجيج. وقيل إن قدومه إليها كان في مستهل رمضان سنة خمس وأربعين ومائة، بعثه أخوه إليها بعد ظهوره بالمدينة، قاله الواقدي. قال: وكان يدعو في السر إلى أخيه، فلما قتل أخوه أظهر الدعوة إلى نفسه في شوال من هذه السنة، والمشهور أنه قدمها في حياة أخيه ودعا إلى نفسه كما تقدم والله أعلم.

ولما قدم البصرة نزل عند يحيى بن زياد بن حسان النبطي، فاختفى عنده هذه المدة كلها، حتى ظهر في هذه السنة في دار أبى فروة، وكان أول من بايعه نميلة بن مرة، وعبد الله بن سفيان، وعبد الواحد بن زياد، وعمر بن سلمة الهجيمي، وعبيد الله بن يحيى بن حصين الرقاشيّ. وندبوا الناس إليه فاستجاب له خلق كثير فتحول إلى دار أبى مروان في وسط البصرة، واستفحل أمره، وبايعه فئام من الناس، وتفاقم الخطب به، وبلغ خبره إلى المنصور فازداد غما إلى غمه بأخيه محمد، وذلك لأنه ظهر قبل مقتل أخيه، وإنما كان سبب تعجيله الظهور كتاب أخيه إليه فامتثل أمره ودعا إلى نفسه، فانتظم أمره بالبصرة، وكان نائبها من جهة المنصور سفيان بن معاوية وكان ممالئا لإبراهيم هذا في الباطن، ويبلغه أخباره فلا يكترث بها، ويكذب من أخبره ويود أن يتضح أمر إبراهيم، وقد أمده المنصور بأميرين من أهل خراسان معهما ألفا فارس وراجل، فأنزلهما عنده ليتقوى بهما على محاربة إبراهيم، وتحول المنصور من بغداد - وكان قد شرع في عمارتها - إلى الكوفة، وجعل كلما اتهم رجلا من أهل الكوفة في أمر إبراهيم بعث إليه من يقتله في الليل في منزله، وكان الفرافصة

<<  <  ج: ص:  >  >>