رأسه بين يديه: ما تقولون فيه؟ فنال منه أقوام وتكلموا فيه، فقال رجل: كذبتم والله! لقد كان صواما قواما، ولكنه خالف أمير المؤمنين وشق عصى المسلمين فقتلناه على ذلك. فسكتوا حينئذ.
وأما سيفه ذو الفقار فإنه صار إلى بنى العباس يتوارثونه حتى جربه بعضهم فضرب به كلبا فانقطع.
ذكره ابن جرير وغيره. وقد بلغ المنصور في غبون هذا الأمر أن محمدا فر من الحرب فقال: هذا لا يكون، فانا أهل بيت لا نفر.
وقال ابن جرير: حدثني عبد الله بن راشد حدثني أبو الحجاج قال: إني لقائم على رأس المنصور وهو يسألنى عن مخرج محمد، إذ بلغه أن عيسى بن موسى قد انهزم وكان متكئا فجلس فضرب بقضيب معه مصلاه وقال: كلا وأين لعب صبياننا بها على المنابر ومشورة النساء؟ ما أنى لذلك بعد.
وبعث عيسى بن موسى بالبشارة إلى المنصور مع القاسم بن الحسن وبالرأس مع ابن أبى الكرام، وأمر بدفن الجثة فدفن بالبقيع، وأمر بأصحابه الذين قتلوا معه فصلبوا صفين ظاهر المدينة ثلاثة أيام ثم طرحوا على مقبرة اليهود عند سلع. ثم نقلوا إلى خندق هناك. وأخذ أموال بنى حسن كلها فسوغها له المنصور، ويقال إنه ردها بعد ذلك إليهم، حكاه ابن جرير. ونودي في أهل المدينة بالأمان فأصبح الناس في أسواقهم، وترفع عيسى بن موسى في الجيش إلى الجرف من مطر أصاب الناس يوم قتل محمد، وجعل ينتاب المسجد من الجرف، وأقام بالمدينة إلى اليوم التاسع عشر من رمضان، ثم خرج منها قاصدا مكة وكان بها الحسن بن معاوية من جهة محمد، وكان محمد قد كتب إليه يقدم عليه، فلما خرج من مكة وكان ببعض الطريق تلقته الأخبار بقتل محمد، فاستمر فارا إلى البصرة إلى أخى محمد إبراهيم بن عبد الله، الّذي كان قد خرج بها ثم قتل بعد أخيه في هذه السنة على ما سنذكره.
ولما جيء المنصور برأس محمد بن عبد الله بن حسن فوضع بين يديه أمر به فطيف به في طبق أبيض ثم طيف به في الأقاليم بعد ذلك، ثم شرع المنصور في استدعاء من خرج مع محمد من أشراف أهل المدينة، فمنهم من قتله ومنهم من ضربه ضربا مبرحا، ومنهم من عفا عنه. ولما توجه عيسى إلى مكة استناب على المدينة كثير بن حصين، فاستمر بها شهرا حتى بعث المنصور على نيابتها عبد الله بن الربيع، فعاث جنده في المدينة فصاروا إذا اشتروا من الناس شيئا لا يعطونهم ثمنه، وإن طولبوا بذاك ضربوا المطالب وخوفوه بالقتل، فثار عليهم طائفة من السودان واجتمعوا ونفخوا في بوق لهم فاجتمع على صوته كل أسود في المدينة، وحملوا عليهم حملة واحدة وهم ذاهبون إلى الجمعة، لسبع بقين من ذي الحجة من هذه السنة، وقيل لخمس بقين من شوال منها، فقتلوا من الجند طائفة كثيرة بالمزاريق وغيرها، وهرب الأمير عبد الله بن الربيع وترك صلاة الجمعة. وكان رءوس السودان: وثيق ويعقل ورمقة وحديا وعنقود، ومسعر، وأبو النار. فلما رجع عبد الله بن الربيع ركب في جنوده