ثم شرع الحاضرون في الثناء على ابن زياد والأحنف ساكت، فقال له معاوية: مالك لا تتكلم؟ قال: إن تكلمت خالفتهم، فقال معاوية: أشهدكم أنى قد عزلته عن العراق، ثم قال لهم. انظروا لكم نائبا، وأجلهم ثلاثة أيام، فاختلفوا بينهم اختلافا كثيرا، ولم يذكر أحد منهم بعد ذلك عبيد الله، ولا طلبه أحد منهم، ولم يتكلم الأحنف في ذلك كلمة واحدة مع أحد منهم، فلما اجتمعوا بعد ثلاث أفاضوا في ذلك الكلام، وكثر اللغط، وارتفعت الأصوات والأحنف ساكت، فقال له معاوية: تكلم، فقال له: إن كنت تريد أن تولى فيها أحدا من أهل بيتك فليس فيهم من هو مثل عبيد الله، فإنه رجل حازم لا يسد أحد منهم مسده، وإن كنت تريد غيره فأنت أعلم بقرابتك، فرده معاوية إلى الولاية، ثم قال له بينه وبينه: كيف جهلت مثل الأحنف؟ إنه هو الّذي عزلك وولاك وهو ساكت، فعظمت منزلة الأحنف بعد ذلك عند ابن زياد جدا.
توفى الأحنف بالكوفة وصلى عليه مصعب بن الزبير، ومشى في جنازته، وقد تقدمت له حكاية، ذكر الواقدي أنه قدم على معاوية فوجده غضبان على ابنه يزيد، وأنه أصلح بينهما بكلام، قال فبعث معاوية إلى يزيد بمال جزيل وقماش كثير، فأعطى يزيد نصفه للأحنف والله سبحانه أعلم.
[البراء بن عازب]
بن الحارث بن عدي بن مجدعة بن حارثة بن الحارث بن الخزرج بن عمرو ابن مالك بن أوس الأنصاري الحارثي الأوسي. صحابى جليل، وأبوه أيضا صحابى، روى عن رسول الله ﷺ أحاديث كثيرة، وحدث عن أبى بكر وعمر وعثمان وعلى وغيرهم، وعنه جماعة من التابعين وبعض الصحابة. وقيل إنه مات بالكوفة أيام ولاية مصعب بن الزبير على العراق عبيدة السلماني القاضى وهو عبيدة بن عمرو ويقال ابن قيس بن عمرو السلماني المرادي أبو عمرو الكوفي. وسلمان بطن من مراد، أسلم عبيدة في حياة النبي ﷺ وروى عن ابن مسعود وعلى وابن الزبير. وحدث عنه جماعة من التابعين، وقال الشعبي: كان يوازى شريحا في القضاء، قال ابن نمير: كان شريح إذا أشكل عليه أمر كتب إلى عبيدة فيه، وانتهى إلى قوله، وقد أثنى عليه غير واحد، وكانت وفاته في هذه السنة، وقيل سنة ثلاث وقيل أربع وسبعين فالله أعلم. وقد قيل إن مصعب بن الزبير قتل فيها فالله أعلم. [وممن توفى فيها أيضا عبد الله بن السائب بن صيفي المخزومي، له صحبة ورواية، وقرأ على أبى بن كعب، وقرأ عليه مجاهد وغيره عطية بن بشر المازني له صحبة ورواية عبيدة بن نضيلة أبو معاوية الخزاعي الكوفي مقرى أهل الكوفة، مشهور بالخير والصلاح، توفى بالكوفة في هذه السنة عبد الله بن قيس الرقيات القرشي العامري أحد الشعراء، مدح مصعبا وابن جعفر عبد الله بن حمام أبو عبد الرحمن الشاعر السلولي هجا بنى أمية بقوله: -