رسول الله ﷺ دعا له، وكان سيدا شريفا مطاعا مؤمنا، عليم اللسان، وكان يضرب بحلمه المثل وله أخبار في حلمه سارت بها الركبان، قال عنه عمر بن الخطاب: هو مؤمن عليم اللسان. وقال الحسن البصري: ما رأيت شريف قوم أفضل منه، وقال أحمد بن عبد الله العجليّ: هو بصرى تابعي ثقة، وكان سيد قومه، وكان أعور أحيف الرجلين ذميما قصيرا كوسجا له بيضة واحدة، احتبسه عمر عن قومه سنة يختبره، ثم قال: هذا والله السيد - أو قال السؤدد - وقيل إنه خطب عند عمر فأعجبه منطقه، قيل ذهبت عينه بالجدري، وقيل في فتح سمرقند، وقال يعقوب بن سفيان: كان الأحنف جوادا حليما، وكان رجلا صالحا، أدرك الجاهلية ثم أسلم، وذكر للنّبيّ ﷺ فاستغفر له، وقال:
كان ثقة مأمونا قليل الحديث [وكان كثير الصلاة بالليل، وكان يسرج المصباح ويصلى ويبكى حتى الصباح، وكان يضع إصبعه في المصباح ويقول: حسّ يا أحنف، ما حملك على كذا؟ ما حملك على كذا؟ ويقول لنفسه: إذا لم تصبر على المصباح فكيف تصبر على النار الكبرى؟ وقيل له: كيف سودك قومك وأنت أرذلهم خلقة؟ قال: لو عاب قومي الماء ما شربته، كان الأحنف من أمراء على يوم صفين، وهو الّذي صالح أهل بلخ على أربعمائة ألف دينار في كل سنة، وله وقائع مشهودة مشهورة، وقتل من أهل خراسان خلقا كثيرا في القتال بينهما، وانتصر عليهم](١) وقال الحاكم: وهو الّذي افتتح مروالروذ، وكان الحسن وابن سيرين في جيشه، وهو الّذي افتتح سمرقند وغيرها من البلاد، وقيل إنه مات سنة سبع وستين، وقيل غير ذلك، عن سبعين سنة، وقيل عن أكثر من ذلك.
ومن كلامه وقد سئل عن الحلم ما هو؟ فقال: الذل مع الصبر، وكان إذا تعجب الناس من حلمه يقول: والله إني لأجد ما يجدون، ولكنى صبور. وقال: وجدت الحلم أنصر لي من الرجال [وقد انتهى إليه الحلم والسؤدد، وقال: أحيى معروفك باماتة ذكره، وقال عجبت لمن يجرى مجرى البول مرتين كيف يتكبر؟ وقال: ما أتيت باب أحد من هؤلاء إلا أن أدعى، ولا دخلت بين اثنين إلا أن يدخلانى بينهما، وقيل له: بم سدت قومك؟ قال: بتركى من الأمر ما لا يعنيني، كما عناك من من أمرى ما لا يعنيك. وأغلظ له رجل في الكلام وقال: والله يا أحنف لئن قلت لي واحدة لتسمعن بدلها عشرا، فقال له: إنك إن قلت لي عشرا لا تسمع منى واحدة، وكان يقول في دعائه: اللهمّ إن تعذبني فأنا أهل لذلك، وإن تغفر لي فأنت أهل لذلك](٢) وقد كان زياد بن أبيه يقربه ويدنيه، فلما مات زياد وولى ابنه عبيد الله لم يرفع به رأسا، فتأخرت عنده منزلته، فلما وفد برؤساء أهل العراق على معاوية أدخلهم عليه على مراتبهم عنده، فكان الأحنف آخر من أدخله عليه، فلما رآه معاوية أجله وعظمه، وأدناه وأكرمه، وأجلسه معه على الفراش، ثم أقبل عليه يحادثه دونهم،