ذكيا فصيحا شاعرا، لديه فضائل جمة، حاضر الجواب سريعه. ولما أرسله طغرلبك إلى الخليفة يطلب ابنته، وامتنع الخليفة من ذلك وأنشد متمثلا بقول الشاعر
ما كل ما يتمنى المرء يدركه
فأجابه الوزير تمام قوله
تجرى الرياح بما لا يشتهي السفن
فسكت الخليفة وأطرق. قتل عن نيف وأربعين سنة. ومن شعره قوله:
إن كان في الناس ضيق عن منافستى … فالموت قد وسع الدنيا على الناس
مضيت والشامت المغبون يتبعني … كل لكاس المنايا شارب حاسى
وقد بعثه الملك طغرلبك يخطب له امرأة خوارزم شاه فتزوجها هو، فخصاه الملك وأمره على عمله فدفن ذكره بخوارزم، وسفح دمه حين قتل بمروالروذ، ودفن جسده بقريته، وحمل رأسه فدفن بنيسابور، ونقل قحف رأسه إلى كرمان، وأنا أشهد أن الله جامع الخلائق إلى ميقات يوم معلوم أين كانوا، وحيث كانوا، وعلى أي صفة كانوا ﷾.
[ثم دخلت سنة ثمان وخمسين وأربعمائة]
في يوم عاشوراء أغلق أهل الكرخ دكاكينهم وأحضروا نساء ينحن على الحسين، كما جرت به عادتهم السالفة في بدعتهم المتقدمة المخالفة، فحين وقع ذلك أنكرته العامة، وطلب الخليفة أبا الغنائم وأنكر عليه ذلك. فاعتذر إليه بأنه لم يعلم به، وأنه حين علم أزاله، وتردد أهل الكرخ إلى الديوان يعتذرون من ذلك، وخرج التوقيع بكفر من سب الصحابة وأظهر البدع. قال ابن الجوزي: في ربيع الأول ولد بباب الأزج صبية لها رأسان ووجهان ورقبتان وأربع أيد، على بدن كامل ثم ماتت. قال: وفي جمادى الآخرة كانت بخراسان زلزلة مكثت أياما، تصدعت منها الجبال، وهلك جماعة، وخسف بعدة قرى، وخرج الناس إلى الصحراء وأقاموا هنالك، ووقع حريق بنهر يعلى فاحترق مائة دكان وثلاثة دور، وذهب للناس شيء كثير، ونهب بعضهم بعضا. قال ابن الجوزي وفي شعبان وقع قتال بدمشق فأحرقوا دارا كانت قريبة من الجامع، فاحترق جامع دمشق. كذا قال ابن الجوزي: والصحيح المشهور أن حريق جامع دمشق إنما هو في ليلة النصف من شعبان سنة إحدى وستين وأربعمائة بعد ثلاث سنين مما قال، وأن غلمان الفاطميين اقتتلوا مع غلمان العباسيين فألقيت نار بدار الامارة، وهي الخضراء، فاحترقت وتعدى حريقها حتى وصل إلى الجامع فسقطت سقوفه، وبادت زخرفته، وتلف رخامه، وبقي كأنه خربة، وبادت الخضراء فصارت كوما من تراب بعد ما كانت في غاية الأحكام والإتقان، وطيب الفناء، ونزهة المجالس، وحسن المنظر، فهي إلى يومنا هذا لا يسكنها لرداءة مكانها إلا سفلة الناس وأسقاطهم، بعد ما كانت دار الخلافة والملك والامارة، منذ أسسها معاوية بن أبى سفيان، وأما الجامع الأموي فإنه لم يكن على وجه الأرض