للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وجرت فتنة عظيمة طويلة، وأحضرت الشيعة مصحفا ذكروا أنه مصحف عبد الله بن مسعود، وهو مخالف للمصاحف كلها، فجمع الاشراف والقضاة والفقهاء في يوم جمعة لليلة بقيت من رجب، وعرض المصحف عليهم فأشار الشيخ أبو حامد الأسفراييني والفقهاء بتحريقه، ففعل ذلك بمحضر منهم، فغضب الشيعة من ذلك غضبا شديدا، وجعلوا يدعون ليلة النصف من شعبان على من فعل ذلك ويسبونه، وقصد جماعة من أحداثهم دار الشيخ أبى حامد ليؤذوه فانتقل منها إلى دار القطن، وصاحوا يا حاكم يا منصور، وبلغ ذلك الخليفة فغضب وبعث أعوانه لنصرة أهل السنة، فحرقت دور كثيرة من دور الشيعة، وجرت خطوب شديدة، وبعث عميد الجيوش إلى بغداد لينفى عنها ابن المعلم فقيه الشيعة، فأخرج منها ثم شفع فيه، ومنعت القصاص من التعرض للذكر والسؤال باسم الشيخين، وعلى ، وعاد الشيخ أبو حامد إلى داره على عادته. وفي شعبان منها زلزلت الدينور زلزالا شديدا، وسقطت منها دور كثيرة، وهلك للناس شيء كثير من الأثاث والأمتعة، وهبت ريح سوداء بدقوقى وتكريت وشيراز، فأتلفت كثيرا من المنازل والنخيل والزيتون، وقتلت خلقا كثيرا، وسقط بعض شيراز ووقعت رجفة بشيراز غرق بسببها مراكب كثيرة في البحر. ووقع بواسط برد زنة الواحدة مائة درهم وستة دراهم، ووقع ببغداد في رمضان - وذلك في أيار - مطر عظيم سالت منه المزاريب.

[ذكر تخريب قمامة في هذه السنة]

وفيها أمر الحاكم بتخريب قمامة وهي كنيسة النصارى ببيت المقدس، وأباح للعامة ما فيها من الأموال والأمتعة وغير ذلك، وكان سبب ذلك البهتان الّذي يتعاطاه النصارى في يوم الفصح من النار التي يحتالون بها، وهي التي يوهمون جهلتهم أنها نزلت من السماء، وإنما هي مصنوعة بدهن البلسان في خيوط الإبريسم، والرقاع المدهونة بالكبريت وغيره، بالصنعة اللطيفة التي تروج على الطغام منهم والعوام، وهم إلى الآن يستعملونها في ذلك المكان بعينه. وكذلك هدم في هذه السنة عدة كنائس ببلاد مصر، ونودي في النصارى: من أحب الدخول في دين الإسلام دخل ومن لا يدخل فليرجع إلى بلاد الروم آمنا، ومن أقام منهم على دينه فليلتزم بما شرط عليهم من الشروط التي زادها الحاكم على العمرية، من تعليق الصلبان على صدورهم، وأن يكون الصليب من خشب زنته أربعة أرطال، وعلى اليهود تعليق رأس العجل زنته ستة أرطال. وفي الحمام يكون في عنق الواحد منهم قربة زنة خمسة أرطال، بأجراس، وأن لا يركبوا خيلا. ثم بعد هذا كله أمر بإعادة بناء الكنائس التي هدمها وأذن لمن أسلم منهم في الارتداد إلى دينه. وقال ننزه مساجدنا أن يدخلها من لا نية له، ولا يعرف باطنه، قبحه الله.

<<  <  ج: ص:  >  >>