للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بها ولا يثق بها بل يجعل طاعة الله والتوكل عليه في كل حال نصب عينيه. وليكن بما في يد الله أوثق منه بما في يديه. وفيها أن من قدم شيئا على طاعة الله والإنفاق في سبيله عذب به وربما سلب منه معاملة له بنقيض قصده. وفيها أن الواجب قبول نصيحة الأخ المشفق وان مخالفته وبال ودمار على من رد النصيحة الصحيحة. وفيها أن الندامة لا تنفع إذا حان القدر ونفذ الأمر الحتم وبالله المستعان وعليه التكلان *

[قصة أصحاب الجنة]

قال الله تعالى ﴿إِنّا بَلَوْناهُمْ كَما بَلَوْنا أَصْحابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّها مُصْبِحِينَ * وَلا يَسْتَثْنُونَ * فَطافَ عَلَيْها طائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نائِمُونَ * فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ * فَتَنادَوْا مُصْبِحِينَ * أَنِ اُغْدُوا عَلى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صارِمِينَ * فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخافَتُونَ * أَنْ لا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ * وَغَدَوْا عَلى حَرْدٍ قادِرِينَ﴾.

﴿* فَلَمّا رَأَوْها قالُوا إِنّا لَضَالُّونَ * بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ * قالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلا تُسَبِّحُونَ * قالُوا سُبْحانَ رَبِّنا إِنّا كُنّا ظالِمِينَ * فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَلاوَمُونَ * قالُوا يا وَيْلَنا إِنّا كُنّا طاغِينَ * عَسى رَبُّنا أَنْ يُبْدِلَنا خَيْراً مِنْها إِنّا إِلى رَبِّنا راغِبُونَ * كَذلِكَ الْعَذابُ وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ﴾.

وهذا مثل ضربه الله لكفار قريش فيما أنعم به عليهم من إرسال الرسول العظيم الكريم اليهم فقابلوه بالتكذيب والمخالفة كما قال تعالى ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ * جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها وَبِئْسَ الْقَرارُ﴾. قال ابن عباس هم كفار قريش فضرب تعالى لهم مثلا بأصحاب الجنة المشتملة على أنواع الزروع والثمار التي قد انتهت واستحقت أن تجد وهو الصرام ولهذا قال ﴿إِذْ أَقْسَمُوا﴾ فيما بينهم ﴿لَيَصْرِمُنَّها﴾ أي ليجدنها وهو الاستغلال ﴿مُصْبِحِينَ﴾ أي وقت الصبح حيث لا يراهم فقير ولا محتاج فيعطوه شيئا فحلفوا على ذلك ولم يستثنوا في يمينهم فعجزهم الله وسلط عليها الآفة التي أحرقتها وهي السفعة التي اجتاحتها ولم تبق بها شيئا ينتفع به ولهذا قال ﴿فَطافَ عَلَيْها طائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نائِمُونَ * فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ﴾ أي كالليل الأسود المنصرم من الضياء وهذه معاملة بنقيض المقصود ﴿فَتَنادَوْا مُصْبِحِينَ﴾ أي فاستيقظوا من نومهم فنادى بعضهم بعضا قائلين ﴿اُغْدُوا عَلى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صارِمِينَ﴾ أي باكروا إلى بستانكم فاصرموه قبل أن يرتفع النهار ويكثر السؤال ﴿فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخافَتُونَ﴾ أي يتحدثون فيما بينهم خفية قائلين ﴿لا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ﴾ أي اتفقوا على هذا واشتوروا عليه ﴿وَغَدَوْا عَلى حَرْدٍ قادِرِينَ﴾ أي انطلقوا مجدين في ذلك قادرين عليه مضمرين على هذه النية الفاسدة. وقال عكرمة والشعبي ﴿وَغَدَوْا عَلى حَرْدٍ﴾ أي غضب على المساكين وأبعد السدي في قوله أن اسم حرثهم حرد ﴿فَلَمّا رَأَوْها﴾ أي وصلوا اليها ونظروا ما حل بها وما قد صارت اليه من الصفة المنكرة بعد تلك النضرة والحسن والبهجة فانقلبت بسبب النية الفاسدة فعند ذلك ﴿قالُوا إِنّا لَضَالُّونَ﴾ أي قد نهينا عنها وسلكنا غير طريقها ثم قالوا ﴿بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ﴾ أي بل عوقبنا بسبب سوء قصدنا وحرمنا بركة حرثنا ﴿قالَ أَوْسَطُهُمْ﴾. قال ابن عباس

<<  <  ج: ص:  >  >>