وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللهِ عَلَى الْكاذِبِينَ وهكذا دعا على المشركين على وجه المباهلة في قوله ﴿قُلْ مَنْ كانَ فِي الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا﴾ وقد بسطنا القول في ذلك عند هذه الآيات في كتابنا التفسير بما فيه كفاية ولله الحمد والمنة.
[حديث آخر يتضمن اعتراف اليهود بأنه رسول الله ويتضمن تحاكمهم إليه ورجوعهم إلى ما يحكم به ولكن بقصد منهم مذموم]
وذلك أنهم ائتمروا بينهم أنه إن حكم بما يوافق هواهم اتبعوه، وإلا فاحذروا ذلك، وقد ذمهم الله في كتابه العزيز على هذا القصد *
قال عبد الله بن المبارك: ثنا معمر عن الزهري قال: كنت جالسا عند سعيد بن المسيب وعند سعيد رجل وهو يوقره، وإذا هو رجل من مزينة، كان أبوه شهد الحديبيّة وكان من أصحاب أبى هريرة، قال: قال أبو هريرة: كنت جالسا عند رسول الله ﷺ، إذ جاء نفر من اليهود - وقد زنا رجل منهم وامرأة - فقال بعضهم لبعض: اذهبوا بنا إلى هذا النبي فإنه نبي بعث بالتخفيف، فان أفتانا حدا دون الرجم فعلناه واحتججنا عند الله حين نلقاه بتصديق نبي من أنبيائه، قال مرة عن الزهري، وإن أمرنا بالرجم عصيناه فقد عصينا الله فيما كتب علينا من الرجم في التوراة، فأتوا رسول الله ﷺ وهو جالس في المسجد في أصحابه، فقالوا: يا أبا القاسم ما ترى في رجل منا زنا بعد ما أحصن؟ فقام رسول الله ﷺ ولم يرجع إليهم شيئا، وقام معه رجال من المسلمين، حتى أتوا بيت مدراس اليهود فوجدوهم يتدارسون التوراة، فقال لهم رسول الله ﷺ: يا معشر اليهود، أنشدكم بالله الّذي أنزل التوراة على موسى، ما تجدون في التوراة من العقوبة على من زنا إذا أحصن؟ قالوا:
نجبيه، والتجبية أن يحملوا اثنين على حمار فيولوا ظهر أحدهما ظهر الآخر، قال: وسكت حبرهم وهو فتى شاب، فلما رآه رسول الله ﷺ صامتا ألظ به النشدة، فقال حبرهم: أما إذ نشدتهم فانا نجد في التوراة الرجم على من أحصن، قال النبي ﷺ: فما أول ما ترخصتم أمر الله ﷿؟ فقال:
زنى رجل منا ذو قرابة بملك من ملوكنا، فأخر عنه الرجم، فزنى بعده آخر في أسرة من الناس فأراد ذلك الملك أن يرجمه فقام قومه دونه، فقالوا: لا والله لا نرجمه حتى يرجم فلانا ابن عمه، فاصطلحوا بينهم على هذه العقوبة، فقال رسول الله ﷺ: فانى أحكم بما حكم في التوراة، فأمر رسول الله ﷺ بهما فرجما * قال الزهري: وبلغنا أن هذه الآية نزلت فيهم ﴿إِنّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هادُوا﴾ وله شاهد في الصحيح عن ابن عمر، قلت: وقد ذكرنا ما ورد في هذا السياق من الأحاديث عند قوله تعالى ﴿يا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قالُوا آمَنّا بِأَفْواهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هادُوا سَمّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَواضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هذا فَخُذُوهُ﴾ يعنى الجلد